التصنيفات » مقالات سياسية

جهود التسوية على مشارف انعقاد مؤتمر إقليمي للسلام

    جاء اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مُنقذاً للرئيس عباس، الذي كان يعيش توجّسات منازعته على الشرعية التي سادت قبل الاتصال، وتواطأت فيها أطراف عديدة .. وواضح أن الاتصال جاء هلى خلفية اقتناع  قادة العدو أنه في هذه المرحلة لا بديل للرئيس عباس، لأن البدائل المطروحة لن تكون بقوّته وقدرته على تمرير الحلّ الإقليمي المطروح؛ وتلا ذلك عودة الاتصال بين القيادة المصرية وعباس؛  وكان هذا الاتصال قد شكّل الضوء الأخضر ؛ ثم جرى احتضانه من القمّة العربية الأخيرة في الأردن والتأكيد على الشرعية بقيادته ودعمه لخوض مرحلة أخرى من التفاوض مع الاحتلال! وعلى هامش القمّة، جرى عقد لقاء ثلاثي جمع عباس والسيسي وعبدالله الثاني، جرى فيه تنسيق الموقف والاتفاق على مضمون توجهات الأطراف العربية  التي حملها القادة العرب للرئيس ترامب بعد القمّة مباشرة ؛  والتي أشار إليها مسؤول مصري كبير حسب موقع (الخليج أون لاين)؛ فالقادة الثلاثة قدّموا "مبادرة سياسية جديدة" تتعلق بالمفاوضات والتمسّك بـ"حل الدولتين". ويتمثل أبرز بنود المبادرة في رعاية أمريكية لجولة مفاوضات جديدة بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، ضمن سقف زمني محدّد يشهد توقفاً كاملاً لعمليات الاستيطان، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، كشرط فلسطيني وعربي رئيسي؛  وتنص المبادرة على عقد مفاوضات أوليَّة بين مسؤولين رفيعي المستوى من السلطة و"إسرائيل" في القاهرة وعمّان، لبحث الخطوط العريضة للعملية التفاوضية، واستكمال ما تم التوقف عنده في آخر مفاوضات نهاية أبريل/نيسان 2014؛ وفي حال نجحت المفاوضات الأوليّة، سيتم الاتفاق على موعد ومكان انطلاق مفاوضات جديَّة على مستوى أكبر، وذلك بناءً على توصيات (مؤتمر سلام) تشارك فيه الدول العربية والأجنبية كافة، برعاية أمريكية.
ويُعتقد أن الرئيس المصري وملك الأردن سوف يحاولان إقناع ترامب بالمبادرة الجديدة، والضغط على "إسرائيل" للقبول بها، وإعادة تحريك العملية السلمية مجدّداً برعاية أمريكية وعربية، مع ضمانات محدّدة؛ على أن يُبلّغ الردّ الأمريكي للرئيس عباس عند زيارته لواشنطن المتوقعه هذا الشهر؛ وعلِم أن إدارة ترامب تسعى لعقد (مؤتمر سلام) في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، لطرح أفكار جادّة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإطلاق جولة مفاوضات جديدة، وأن هناك لقاءات فلسطينية-عربية-إسرائيلية-أمريكية، ستجري استعداداً لهذا المؤتمر.
   وكانت قد تزايدت التصريحات التي تتناول موضوع التسوية الإقليمية ، باعتباره خياراً بديلاً لتعثُّر عملية التسوية على المسار الفلسطيني. وتجلّى ذلك في الحديث عن «صفقة إقليمية»  جرى التفاهم عليها على مايبدو بين العدو والولايات المتحدة وبعض القادة العرب، والتي أخذت حيزاً واسعاً في جدول أعمال بعض الزعماء العرب الذين زاروا الولايات المتحدة وأجروا لقاءات مع الرئيس الأمريكي ترامب.
   وفلسفة الموضوع عند رئيس حكومة العدو تقوم على أنه المسار البديل عن المسار الثنائي مع الجانب الفلسطيني، الذي فشل في التوصل إلى حلٍ بين الطرفين. وهو يقوم على أساس عقد مؤتمر إقليمي يجمع كيان العدو إلى جانب دول «الاعتدال» العربي، وعلى رأسهم السعودية؛ وإن التوصل إلى سلام إقليمي مع دول «الاعتدال» في الخليج يمكن أن يؤدّي لاحقاً إلى صيغة تسوية مع الطرف الفلسطيني!
    ومع انعقاد القمّة العربية بدأ يتبلور طرح مؤتمر إقليمي من شأنه أن يشكّل غطاءً للجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات المباشرة، والتخلّي عن الشروط الفلسطينية السابقة بإخراج معيّن؛ وتوظيف الحضور الإقليمي أيضاً ليشكّل غطاء لأيّ حلٍ يمكن التوصل إليه عبر تنازل فلسطيني جديد؛ لتتحول المعادلة علناً هذه المرّة: فلسطين في خدمة العرب، وليس العرب في خدمة فلسطين..!
   في السابق، كان كيان العدو يصرّ على المسار الثنائي ويرفض الحلول الإقليمية بشكل مطلق طوال  العقود الماضية. أما حالياً،  فالعدو هو الذي بادر، على لسان نتنياهو، إلى طرح المسار الإقليمي، ما قد يوحي للوهلة الأولى أنه انقلاب على استراتيجية الصفقات المنفردة التي اعتمدتها تل أبيب منذ انطلاق قطار التسوية مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، والتي استمرّت طوال تسعينيات القرن الماضي.
 حينها بدأ العدو وكأنه نجح في إسقاط مشروع الحلّ الإقليمي، لمصلحة «الصفقات الثنائية»، عبر اتفاق أوسلو (وما تلاه)، والذي جرّ وراءه اتفاق «وادي عربة» مع الأردن؛ وهكذا نجحت (إسرائيل) في التفرّد بكلّ طرفٍ على حدة.
  وعدا عن الموقف من مبدأ شرعنة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والسعي لجعل كيان العدو كأنه جزء طبيعي من مكوّنات الإقليم، فقد حقّقت الحلول المنفردة جملة من الإنجازات لكيان العدو ؛ كان أبرزها:
 إضعاف الموقف العربي في المفاوضات، مقابل تعزيز موقف (إسرائيل)، عبر استخدام كلّ صفقة ثنائية لإضعاف بقيّة الأطراف؛ عدا عن إضعاف الطرف الذي انفرد بالتفاوض بعد استبعاد الأطراف الأخرى أو تحييدها؛ "فكامب ديفيد"، باعتباره الصفقة المنفردة الأولى مع كيان العدو، أدى في ذلك الوقت إلى تغيير موازين القوى في المنطقة .
      وبعد تعذّر التوصل للاتفاق مع الفلسطينيين، بسبب عدم القدرة الصهيونية على هضم إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وانسحاب الاحتلال من الضفة الغربية، أخذت حكومات اليمين الصهيوني بالتهرب من الالتزامات ووضع الذرائع لافشال المفاوضات، ممّا استدعى سلوك الفلسطينيين استراتيجية العودة للمجتمع الدولي والمرجعية الدولية ؛ وهو أمر أزعج كيان العدو الذي طرح خيار الحلّ الإقليمي والسلام الاقتصادي، للالتفاف على التوجهات الفلسطينية؛ مستفيداً من تحوّلات المنطقة، وحاجات بعض الدول، خاصة في الخليج، لاستبدال العداء من الاتجاه نحو العدو الصهيوني إلى العداء الموهوم ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران .
 وهذا الواقع وفّر للعدو خيارات جديدة للتهرب من الحلّ وتجاوز الموضوع الفلسطيني، والدفع نحو مسار إقليمي يشكّل مدخلاً لتصفية القضية الفلسطينية والتخلص من عبئها، بما يشكّل مصلحة مشتركة لأطراف إقليمية تلتقي مع هذا الهدف الصهيوني، والانتقال إلى مرحلة التحالف العلني بين العدو وهذه الأنظمة، على قاعدة مواجهة التهديدات وتحقيق المصالح المشتركة؛ بحيث يشكّل الحلّ الإقليمي ركناً من استراتيجية الرئيس ترامب الجديدة  في مواجهة الجمهورية الإسلامية وقوى المقاومة.
       وحالياً، تتسارع الاتصالات والتحضيرات، العلنية والسريّة، لانطلاق المفاوضات، في ظلّ جهود مكثّفة عربياً ودولياً، لمنع انهيار محاولة جمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي  برعاية إقليمية وأمريكية، تهدف إلى إنهاء الملف الفلسطيني بشكل أو بآخر، وتغطية أيّ موقف فلسطيني تنازلي برعاية عربية، لأن القضية الفلسطينية لم تعد تشكّل أولوية الأطراف المعنية. وما يعني تلك الأطراف اليوم هو تفعيل التوجّه العدائي ضدّ الجمهورية الإسلامية وقوى المقاومة؛ والقضية الفلسطينية هنا تعنيهم بقدر ما تخدم تلك الاستراتيجية ؛ فهي تصبح حالة لابدّ من إغلاقها ليُصار إلى عدم التشويش على الحلف الإقليمي ( الناتو الإقليمي)؛ وما قد يسبقه من مسار تطبيعي علني، ورفع للحرج  الذي يمكن أن ينشأ عند البعض بسبب الجرح الفلسطيني المفتوح. وفي كلّ الأحوال، إن أي حلّ مفترض لن يرقى إلى مستوى تحقيق الحدّ الأدنى المطلوب فلسطينياً. وربما سيكون الحلّ طويل الأجل، أي الذي ينفّذ خلال فترة زمنية طويلة أو متوسطة، مع ترك بعض القضايا قيد التفاوض لآجال مفتوحة، خياراً لاستيعاب الطرف الفلسطيني وإخراجه من دائرة الحرج الناجم عن تنازلات فاضحة قد يقدّمها؛ عدا عن  قدرة العدو على التملص من أيّ التزامات كالمعتاد، حيث يمرّر الحلّ الاقليمي ويقطف ثمراته، من تطبيع وعلاقات ودور مركزي في الحلف الإقليمي؛ ومع الوقت سوف يُفرّغ الاتفاق من أيّ محتوىً من شأنه أن يفرض استحقاقات لا يرضاها كيان العدو، والذي سيتخلص منها عبر فرض الأمر الواقع على الجميع.



 محمود إبراهيم
باحث فلسطيني

2017-04-14 12:40:02 | 4121 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية