التصنيفات » دورات باحث » دورة اعداد باحث سياسي 2

ملخص محاضرة الدكتور عباس إسماعيل -الباحث والخبير في الشؤون الإسرائيلية بعنوان : منظومة صنع القرار في «إسرائيل»





    بتاريخ 3/8/2017، وفي إطار فعاليات الدورة التخصصية ـ 2، لإعداد باحث سياسي، حاضر الدكتور عباس إسماعيل، الباحث والخبير في الشؤون الإسرائيلية، في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، حول (التحدي الإسرائيلي ـ منظومة صنع القرار في «إسرائيل»)، بحضور كلّ المنتسبين إلى هذه الدورة التخصصية، وهم من حملة شهادات الإجازة الجامعية والماجستير والدكتوراه، في اختصاصات مختلفة.
في البداية، قسّم الدكتور إسماعيل محاضرته إلى قسمين: نظري وتطبيقي؛ بمعنى أن القسم الأول سيتناول شرحاً إجمالياً لعناصر منظومة صنع القرار السياسي والعسكري والأمني في الكيان، والمسؤولين المباشرين عن صنع هذا القرار، فيما ترك القسم الثاني للإجابة على أسئلة المشاركين في الدورة، بهدف إسقاط الشرح النظري على الواقع السياسي في الكيان الإسرائيلي، وتحديد نقاط الضعف والقوّة في المنظومة التي سبق الحديث عنها.

أولاً: منظومة صنع القرار الإسرائيلي
تعتبر «إسرائيل نفسها «دولة» يهودية ديمقراطية، وأن النظام السياسي فيها هو نظام ديمقراطي برلماني، حيث يتم تداول واقتسام السلطة فيها بشكل عادل، ضمن نظام انتخابي «عصري» يضمن حق الترشّح والاقتراع لكلّ «مواطني إسرائيل، لكن ضمن شروط معيّنة!
وهناك سلطات ثلاث في الكيان، تدير مختلف شؤونه، وهذه السلطات هي: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، ورئاسة الدولة، التي تُعتبر سلطة شكلية أو فخرية، بينما تتقاسم السلطتان الإجرائية (التنفيذية) والتشريعية أبرز وأهم المسؤوليات والمهام المرتبطة بشؤون «الدولة» والمجتمع الصهيوني وعلاقات الكيان الخارجية.
وتنحصر مهمات الكنيست (السلطة التشريعية) في الدعوة للانتخابات العامة، ومراقبة عمل الحكومة، وإصدار التشريعات والقوانين.
أما النظام الانتخابي في الكيان، فهو يعتمد نظام الدائرة الواحدة، والقوائم المقفلة، والصوت الواحد لكلّ ناخب، والدوائر المغلقة، في إطار النسبية والسريّة والمساواة التامة بين المرشّحين والناخبين، لكن مع نسبة حسم تتغير بحسب مصالح الأحزاب أو القوى الأكثر تأثيراً (1 ـ 3%).
يُذكر هنا أن الأحزاب الإسرائيلية هي العصب الرئيسي في النظام الانتخابي والحياة السياسية في الكيان، حيث يوجد اليوم حوالى 12 حزباً كبيراً أو صغيراً، مع الإلفات إلى كثرة الانشقاقات والاندماجات في هذه الأحزاب، والتي تعكس طبيعة المجتمع الصهيوني، المكوّن من فئات وجماعات متعددة الانتماءات والأهواء والمصالح المتناقضة.
ومن ثم ينتقل المحاضِر إلى تحليل أهم العناصر أو الجهات المؤثرة صنع القرار في الكيان، مثل الجيش والأجهزة الأمنية، والرأي العام، ومراكز الدراسات المتخصصة؛ إلى الاعتبارات الحزبية والشخصية التي يظلّ لها تأثير مهم في العملية السياسية داخل الكيان، برغم محاولات «الدولة» الحدّ منها أو إنكارها حتى.
أما بالنسبة للجيش، فهو من أبرز العناصر المؤثّرة في آليات صنع القرار في الكيان، وتحديداً لجهة التوصية بشنّ الحرب، فيما ينحسر تأثيره في القرارات المتعلقة بالمسار «السلمي» وما يرتبط به من انسحابات عسكرية أو مفاوضات؛ وهذا ما نلمسه مثلاً في قرار الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، في آب 2005، والذي اتخذه رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق آرييل شارون، رغم اعتراض قيادة الجيش عليه.
وكان قرار مشابه اتخذه إيهودا باراك، بالانسحاب من جنوب لبنان، بشكل أحادي، في أيار 2000، قد لقي اعتراضاً قوياً من بعض قيادات الجيش والأجهزة الأمنية. فالجيش الصهيوني، حسب التجارب الماضية، يخضع في النهاية للسلطة السياسية، برغم التأثير الكبير الذي يمارسه هذا الجيش (مع الأجهزة الأمنية)، لكن ضمن أطر محدّدة، وفي مراحل معيّنة أو طارئة!




وهنا يتوقف المحاضِر عند تآكل صورة (الجيش الذي لا يُقهر)، لدى الرأي العام في الكيان، بعد هزائمه المتكرّرة أمام قوى المقاومة في فلسطين ولبنان، خلال الأعوام الماضية، لكن من دون أن يخسر الكثير من نفوذه داخل أطر العملية السياسية لصنع القرار في الكيان.
كذلك، فإن للرأي العام تأثير مهم في عناصر هذه العملية السياسية، بحيث أن السياسي الذي يريد ضمان مصيره السياسي أو إنجاح قرار كبير يريد اتخاذه (سلماً أو حرباً)، يستعين باستطلاعات الرأي قبل أن يتخذ قرارات مهمة؛ وهكذا الحال بالنسبة للأحزاب والقوى التي تريد المشاركة في الانتخابات والوصول إلى السلطة؛ حتى قيل إنه لا حرب ولا اتفاقات بدون أغلبية شعبية مؤيدة للحرب، أو لأيّ اتفاق تسوية مع الفلسطينيين أو العرب.
تجدر الإشارة هنا إلى غياب القيادات «الكاريزماتية» في الكيان، بعد وفاة شارون، ما أعطى هامشاً أكبر للتأثير الشعبي، الذي بات يحتاجه المسؤول أو الحزب المشارك في صنع القرار داخل الكيان الصهيوني.
أيضاً، لمراكز الدراسات المعتبرة والمتخصّصة، والموجّهة من قِبل القيادات السياسية أو الأمنية، أو من جامعات أو جهات خارجية، دور مهم في العملية السياسية، حيث يسترشد صنّاع القرار في الكثير من الأحيان بتوصيات أو تقديرات تلك المراكز، أو ببعضها على الأقل، في الشؤون المختلفة، الداخلية والخارجية، والمرتبطة بواقع الكيان والتحديات التي تواجهه.
أما الاعتبارات الشخصية، فلا يمكن لأية جهة في الكيان تجاهلها أو إنكارها، كما حصل فيما يخص قرار إيهودا باراك بالانسحاب غير المشروط من جنوب لبنان، في العام 2000، والذي اتخذه لاعتبارات انتخابية بعدما لمس تأييداً شعبياً كبيراً له، برغم اعتراض قيادة الجيش.
وهكذا بالنسبة لقرار شارون بالانسحاب من قطاع غزة، في العام 2005، والذي اتخِذ ـ كما حلّلت وسائل إعلام الكيان ـ لإبعاد شبهة الفساد عنه وعن نجله، إثر مباشرة السلطة القضائية والشرطة بتحقيقات واسعة معهما في هذا المجال؛ وهو ما قد يتكرّر مع التحقيقات الجديدة التي بوشرت مع بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، في قضية صرف أموال عامة (تخص «الدولة») على حاجيات خاصة أو منزلية، وقضايا أخرى.
وعليه، فإن على الباحث أو المحلّل السياسي أن يأخذ بالاعتبار كلّ هذه العناصر مجتمعة، قبل أن يكوّن صورة موضوعية حول قضية ما، أو قبل أن يُعدّ دراسة أو يصدر توصية ما.

ثانياً ـ من يأخذ القرار في «إسرائيل»؟
مثلما تبيّن آنفاً، فإن الحكومة، (ورئيسها) هي من تتخذ القرارات الأساسية في مختلف المجالات، في الكيان، وصولاً إلى القرارات المرتبطة بالحرب والسلم وما تتطلبه من استراتيجيات وآليات تطبيقية.
أما المجلس الوزاري المصغّر (الكابينت)، فقد تنامى دوره بعد كثرة التسريبات الإعلامية من داخل الحكومة، وتزايد الخلافات بين وزرائها الثلاثين، والذين ينتمون إلى أحزاب كبيرة وصغيرة، لديها تصورات أو مصالح متضاربة في أغلب الأحيان.
ويتكوّن «الكابينت» من رئيس الحكومة ووزير الأمن (الحرب) ووزير الداخلية ووزير الخارجية ووزير العدل، وهو المولج بإصدار قرارات ذات طابع طارئ ومهم جداً، خاصة في قضايا الحرب وما يرتبط بها.
أما عن الواقع الحزبي داخل الكيان اليوم، فأشار المحاضِر إلى التبدلات أو الانتقالات التي تحصل بشكل دائم، بين حزب وآخر، من قِبل أعضاء أو مسؤولين في هذا الحزب أو ذاك، وصولاً إلى رئيس الحزب، وذلك لاعتبارات شخصية أو انتخابية في الغالب!
وهذا ما يُستدلّ عليه في نماذج حديثة نسبياً، مثل تسيبي ليفني، التي تقلّبت من اليمين إلى الوسط فاليسار، لتشكل أخيراً حزب الحركة (هاتنوعاه)، وهي التي كانت قريبة جداً من تشكيل حكومة منذ سنوات.
وكذلك يبرز نموذج وزير الحرب الحالي، أفيغدور ليبرمان، الذي يُعتبر الرئيس المطلق والدائم لحزبه المتطرف (إسرائيل بيتنا)، وهو كان في حزب الليكود سابقاً، إضافة إلى رؤساء أحزاب (هناك مستقبل ـ يش عتيد) وميريتس والأحزاب الدينية الصغيرة؛ والأحزاب العربية التي يبدو تأثيرها ضعيفاً في كلّ مرحلة انتخابية، لاعتبارات عدّة.
والمثير هنا أن تلك الأحزاب الإسرائيلية لا تلتزم في العادة ببرامجها الانتخابية المعلنة، ليصبح شغلها الشاغل عندما تصل إلى السلطة هو كيفية المحافظة على مكاسبها فحسب، والتنافس في ما بينها.
في الشقّ التطبيقي، أجاب المحاضِر الدكتور عباس إسماعيل، على تساؤلات ومداخلات بعض المشاركين في الدورة، والتي يمكن إيجاز ما ورد فيها على الشكل التالي:
1 ـ «إسرائيل» ليست دولة ديمقراطية في الواقع، سوى لليهود والصهاينة، حيث يفتقد الفلسطينيون العرب فيها لأدنى متطلبات الحياة الكريمة والعدل والمساواة.
2 ـ هناك حضور مؤثّر للعنصر الديني (المتطرّف) في الحياة السياسية والاجتماعية، وداخل الجيش، وبما يناقض متطلبات الدولة الديمقراطية؛ وكمثال واقعي، فإنه لا يوجد «زواج مدني» في الكيان، وكلّ عقود الزواج خارج المحاكم الدينية تُعتبر باطلة.
3 ـ الخلافات والنزاعات الدينية أو العرقية أو حتى السياسية لا تُعتبر مؤشراً على قرب تفكك الكيان أو انهياره، لأنها باتت بمثابة ظواهر سياسية ملازمة للكيان، والذي تمكن (دولة وشعباً) من التأقلم معها، مهما كانت تداعياتها؛ هذا في المديين المنظور والمتوسط بالحدّ الأدنى.
4 ـ «إسرائيل» لا تزال، رغم قوّتها وقدراتها وعلاقاتها الخارجية الواسعة، تحتاج إلى اعتراف فلسطين وعربي بيهوديتها الديمقراطية (!)، حتى تكتمل «شرعيتها»، وتستطيع تحقيق أهدافها «التاريخية» في المنطقة، كما رسمها مؤسّسو أو آباء الكيان الإسرائيلي الأوائل.
5 ـ الأجهزة الأمنية الرئيسية لها تأثير مهم في المسار السياسي، وفي المسار العسكري ـ الأمني خصوصاً، كما شهدنا خلال أحداث المسجد الأقصى الأخيرة، لجهة عدم حسم الأمور بسرعة وتفاقمها، بالتزامن مع ارتباك واضح برز في الجسم السياسي (السلطة)، فيما يخص تركيب البوّابات الإلكترونية لتفتيش الداخلين إلى المسجد الأقصى، أو تركيب الكاميرات لاحقاً، والتراجع في النهاية نحو المربّع الأول، بالسماح لكلّ من يرغب بالدخول للصلاة في الأقصى، بتأثير الهبّة الشعبية الكبرى التي حصلت.
6 ـ تبيّن وجود اختلافات مهمة بين أجهزة الشاباك والموساد والشرطة والاستخبارات العامة، وصولاً إلى قيادة الجيش ورئاسة الحكومة الصهيونية، التي ثبت أنها اتخذت قرارات متسرعة أدّت إلى الأحداث الدامية الأخيرة في المسجد الأقصى ومحيطه.
ومن الواضح أن القانون الجديد الذي صدر بشأن القدس، وما جرى من اقتحامات استفزازاية للمسجد الأقصى، كان في إطار المزايدات السياسية بين الأحزاب الموجودة في الحكومة الإسرائيلية وخارجها.
7 ـ هناك تأثير معيّن للأميركيين والإسرائيليين في الأحداث والتحوّلات الحاصلة في المنطقة، خاصة منذ انطلاق ما سمّي «الربيع العربي» منذ عدّة سنوات. إلاّ أن هذا التأثير يبقى محدوداً إذا ما قيس بحجم وطبيعة تلك التحولات؛ لكن الإسرائيلي يسعى للاستفادة أو الاستثمار في ما يجري في المنطقة، ويتدخل بقوة (وبشكل علني أحياناً) لدفع خطرٍ ما (سوريا كمثال) أو لتسعير نزاع هنا أو هناك، كما يفعل حليفه الأميركي في سورية والعراق واليمن وغيرها.
8 ـ الجيش الصهيوني يسير بسرعة نحو التشدّد والتطرّف الديني، مع زيادة في أعداد الضبّاط ذوي النزعات الدينية المتطرّفة، بفعل المتغيرات التي يشهدها المجتمع الصهيوني، والذي بات هو من يصهر الجيش وليس العكس، كما كان الوضع سابقاً.
9 ـ الحرب الإسرائيلية ضد حركات المقاومة أو الدول الداعمة لها في المنطقة لم تعد متاحة أو سهلة، في ظلّ التحوّلات والإنجازات المتحققة في العراق وسورية واليمن، وصولاً إلى العمق الفلسطيني، حيث تطوّرت قدرات القوى المقاومة بشكل كبير، كماً ونوعاً، فضلاً عن التجارب التي صقلت هذه القوى وأهّلتها لمواجهة الجيش الإسرائيلي مرّات ومرّات.
10 ـ بالنسبة لروسيا، يسعى الكيان الإسرائيلي لعدم التصادم معها، في سورية تحديداً، مع محاولته الاستفادة من مسار مكافحة «الإرهاب» الذي تنتهجه روسيا في المنطقة، والذي يؤثّر في الوقت نفسه على التدخل الإسرائيلي (العسكري) في سورية، سواء ضدّ النظام أو ضدّ حزب الله، ولو نسبياً.
11 ـ الأزمة الخليجية الأخيرة (بين السعودية وقطر) أدّت إلى كشف بعض أسرار الدعم الخليجي للقوى التكفيرية في المنطقة، كما أسهمت في تفعيل مسار التطبيع الخليجي ـ الإسرائيلي، الذي تنكشف خفاياه يوماً بعد يوم؛ والهدف المشترك يبقى محور المقاومة وإيران، الذي حقّق مؤخراً انتصارات كبرى أقلقت العدو الإسرائيلي ودول الخليج معاً!



2017-08-08 11:50:50 | 1749 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية