التصنيفات » دورات باحث » دورة اعداد باحث سياسي 2

ملخص محاضرة الدكتور حسين رحال-مسؤول وحدة الإعلام الإلكتروني في حزب الله بعنوان:علم الإجتماع السياسي




بتاريخ 10/8/2017، وفي إطار الندوة التخصصية الثانية التي ينظّمها مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، ألقى الدكتور حسين رحال محاضرة بعنوان (الحكم والسياسة في علم الاجتماع السياسي) وتالياً نص المحاضرة:

يتناول موضوع علم الاجتماع السياسي السلطة وعلاقتها بالمجتمع، بما تعنيه من قوة ونفوذ وهيمنة، وشرعية هذه السلطة، وعلاقتها بالقوى الاجتماعية.
كان علم السياسة يركّز على الدولة وأجهزتها وآلياتها وإجراءاتها. لكن تبيّن في ما بعد أنه لا يمكن فهم الظاهرة السياسية من خلال الرؤية من فوق، وأنه لا بدّ من الانتقال إلى رؤية السلطة في سياقاتها الاجتماعية المختلفة وتوزّع هذه السياقات، والتأثيرات المتبادلة بين القوى الاجتماعية والسلطة. ومن خلال هذين البندين العريضين، افترق علم السياسة عن علم الاجتماع السياسي.
إن فكرة السلطة أو التفكّر الإنساني حول السلطة قديم جداً، إذ لا يوجد فكر سياسي في التاريخ لم ينظر إلى قضية السلطة ولم يعالجها، منذ ما قبل اليونانيين وصولاً إلى عصرنا الراهن.
إن ما ميّز علم السياسة، ومن ثمّ علم الاجتماع السياسي لاحقاً، هو الانتقال من فكرة ما ينبغي أن يكون إلى ما هو كائن (ما يظن الغرب أنه أنتجه في العلوم الإنسانية والاجتماعية).
وأكثر من استطاع أن يرى الظاهرة السلطويّة في الغرب كما هي كان نيكولو مكيافيلي، المكروه والمحبوب في آن معاً؛ فهو المكروه بسبب آرائه التي قيل إنها تُمجّد السلطة والوسيلة في مقابل الغاية. لكن آراءه قدّمت للفكر الغربي إنجازاً مهماً، حيث فصل مكيافيلي بين مرحلتين: مرحلة التفكير السياسي بالمعنى الفلسفي والنظري (ما ينبغي أن يكون)، ومرحلة دراسة السلطة كما تتجلّى في التجربة التاريخية لمن مارس السلطة (ما هو كائن). وقد أسهم مكيافيلي في فهم مسارات السلطة كما جرت وكما تجري، وركّز في كتبه على كيفية ممارسة الأقوياء للسلطة وتمكّنهم من الاحتفاظ بها. والإشكالية التي طرحها مكيافيلي ليست حول التفكير بأخلاقيات السلطة، بل حول كيفيّة الوصول إلى السلطة وممارستها والبقاء فيها!
وهناك عدّة أبحاث تُثبت أن فكر مكيافيلي كان موجوداً في التاريخ الإسلامي منذ عهد الأمويين، إلى حدّ أننا نستطيع أن نجد «ألف مكيافيلي» في التراث العربي والإسلامي، بدءاً بفترة ما بعد الخلافة الراشدة؛ أي منذ أول خليفة أموي حكم وحتى آخر خليفة عباسي.
وتتحدث دراسات أخرى حول ما أنتجه «أبو يعلى الفرّاء» من أحكام سلطانية وولايات دينية تشبه «العقل المكيافيلي» الذي يبرّر للسلطة أفعالها، لكن بثوب إسلامي وشرعي.
مع تطوّر العلوم الإنسانية تداخلت المسائل ببعضها، وكان للنظريات الفكرية تأثير كبير على النظريات السياسية. وكانت فكرة الصراع الطبقي التي تحدث عنها كارل ماركس من أهم المواد التي دخلت إلى العلوم الإنسانية لإعادة توجيه النظر نحو مسألة الصراع في المجتمع.
في المقابل، حاول سبنسر ودوركهايم الترويج لفكرة الإجتماع؛ بمعنى أن المجتمع هو كائن عضوي، وأن الاختلالات فيه تحصل بشكلٍ طفيف، لكن جهاز المجتمع يعيد تصحيح تلك الاختلالات. من هنا نشأت المدرسة الوظيفية في العلوم الاجتماعية وفي علم اجتماع السياسة. وقد اعتمِدت المدرسة الوظيفية في الغرب، حيث استخدمها الأميركيون لأنها ضدّ فكرة الثورة.
أما الماركسيون، فقد ركّزوا على فكرة أو مقولة الصراع. فالفكرة الماركسية الشيوعية تقوم على أن وجود السلطة يعني وجود هيمنة لطبقة من خلال هذه السلطة. وهذه الطبقة تُنتج السلطة، وفكر السلطة (الإيديولوجيا)، وذلك من أجل إقناع الآخرين بأن سلطتها شرعية ومفيدة لكلّ فئات المجتمع.
من هنا، فإن الرأسمالية، هي منظومة فكرية ينتج عنها جهاز اقتصادي وثقافي وقانوني يُقنع الناس بأن هذا الجهاز يعمل لصالح الجميع، في حين أن الطبقة الرأسمالية المهيمنة هي التي تستفيد حصراً من عوائد هذا الجهاز.
وهناك رؤية صراعية أخرى تؤكد على وجود صراعات بين جماعات صغيرة وكبيرة داخل المجتمع لا تنحصر في الصراع الطبقي.
لكن ماكس فيبر لا يرى أن الاقتصاد هو العامل المؤثّر في رؤية التاريخ، بل هناك صراعات لها خلفيّات أخرى، مثل الصراع الثقافي. ويعتبر «فيبر» أن الرأسمالية أنتجتها الذهنية العقلانية التي سادت في الغرب، كالإصلاح البروتستانتي الديني، والإصلاح الذي تمّ عبر (دفتر المحاسبة) في المدن الإيطالية، وسريان العقلانية في إدارة المجتمع.
وتناول «فيبر» تنوّع المجتمعات، وربط بين الذهنية الثقافية في المجتمع والتطور السياسي والاقتصادي والعقلاني للمجتمع. كما تحدّث قليلاً عن الإسلام والمجتمع الإسلامي، لكنه توفّى قبل أن يُكمل عمله عنه. وهو اعتبر أن البروتستانتية هي الدافع الحقيقي لنشوء الرأسمالية بمراحلها الأولى، محلّلاً أن التغيير يحصل من خلال الذهن. وهو عمل على مسألة أخلاق الجماعات البروتستانتية في إنكلترا وأميركا، وكيف أن الانضباط الديني أنتج الثورة الرأسمالية لديها.
لم يبقَ التفكير الماركسي تفكيراً ميكانيكياً، لأن البعض وجدوا أن تفسير ماركس غير دقيق. ومن المفكّرين الذين عدّلوا على تفسيره، «غرامشي»، الذي قال بأن البنية الفوقية قد تصبح صلبة بحيث أنها تُعيد إنتاج المجتمع.
وكانت إحدى الإشكاليات: هل يُعيد النظام السياسي إنتاج المجتمع كما يريد، أم أن المجتمع ينتج النظام السياسي الذي يريد؟
من جهتهم، اعتبر الشيوعيون أن إعادة إنتاج المجتمع تتم من خلال السيطرة على بُنية الدولة.
أما «لويس ألتوسير»، فاعتبر أن الدولة ليست عبارة عن أجهزة قمعية فقط. فهي تتكوّن من جهازين: الأول هو جهاز قمعي قوامه: الجيش، والقوى الأمنية، والمحاكم والسجون، وكلّ ما هو مادّي؛ والثاني هو الأجهزة الإيديولوجية للدولة، وعلى رأسها: المدرسة، الكنيسة، أجهزة الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني. وبالتالي فإن إعادة إنتاج السلطة التي تريدها الطبقة المسيطرة في الدولة هي من مهمّة الأجهزة الإيديولوجية للدولة، من ناحية الكوادر المتعلّمة، ومن ناحية إقناع الناس بأن يكونوا فاعلين في المجتمع.
ينقسم علماء اجتماع المعرفة والسياسة إلى تيّارين كبيرين: التيار التقني والتيار النقدي.
*التيار التقني، الموجود في جميع العلوم، ويمثّله دوركهايم وغالبية العلماء الأميركيين الذين عملوا في مجال علم اجتماع السياسة وعلم اجتماع المعرفة. ويعتبر هذا التيار أن عالم الاجتماع لديه خبرة وتقنيّات مهمة لفهم المجتمع وتقديم المعطيات للسلطة، بحيث يصبح العالِم موظّفاً عند السلطان.
*التيار النقدي، والذي يمثّله ماركس ولوكاش وبعض أعضاء مدرسة فرانكفورت الألمانية، ويعتبر أن دور عالم الاجتماع هو دور نقدي؛ أي أن يلتقط ما هو سلبي في النظام السياسي والنظام الفكري، وأن يدلّ على مواقع السلطة والهيمنة التي تستضعف الآخرين. وبالتالي فإن له دور ثوري في تغيير المجتمع.
إن علم السياسة يركّز على السلطة وأجهزتها وعلى الدولة. أما علم الاجتماع السياسي، فيدرس كلّ جماعة في المجتمع يمكن أن يكون لها نفوذ أو قوّة أو سلطة، وهو يدرس: الدولة، الطبقات، الأحزاب، النقابات، المجتمع المدني، قوى الضغط، المثقّفون والإيديولوجيا.
يعرّف علماء السياسة وعلماء القانون الديمقراطية بأنها حكم الشعب للشعب وبالشعب. لكن هذا الفهم القانوني السياسي للديمقراطية لم يعد مُطبّقاً في العلوم الاجتماعية. فمفهوم الديمقراطية تطوّر بدءاً بالنقاش الماركسي عن الديمقراطية، حيث سمّي الديمقراطية الاجتماعية. ومن أجل تحقيق الديمقراطية الحقيقية يجب أن تكون هناك مساواة في الموارد.
لقد بدأ مفهوم الديمقراطية الاجتماعية قبل ماركس، وتمّ التركيز عليه من بعده. لذلك أطلقت دول الكتلة الاشتراكية على نفسها اسم الديمقراطية الشعبية؛ بمعنى أنها تطبّق المساواة في الموارد الاقتصادية قبل المساواة في صناديق الاقتراع.
ومن ثمّ تطوّرت الفكرة لاحقاً، وأصبح السؤال: كيف يمكن أن نحقّق أكبر قدر من المساواة بين الناس من أجل اتّخاذ القرار؟ هناك العديد من الكتب التي تناولت هذا الموضوع، ومن بينها كتاب لـ «آلان تورين» اسمه «ما هي الديمقراطية: حكم الأكثرية أم ضمانات الأقليّة».
تعتبر مدرسة فرانكفورت أنه حصل انقلاب على الديمقراطية، وأنه لا وجود للديمقراطية الآن بسبب تحكّم نخبة ماليّة واقتصادية وبيروقراطية قوية بمفاصل الدولة. واليوم، نحن نشهد ديكتاتورية مقنّعة من خلال وسائل الإعلام الكونية التي تقولب الرأي العام، ومن خلال قوى تتداول السلطة؛ وهي قوى مالية كبرى تتبع لشركات النفط والسلاح.
وإذا ما أردنا دراسة أفلاطون من الناحية الاجتماعية، من خلال علم اجتماع المعرفة وعلم اجتماع السياسة، فسوف نرى في أيّ سياق أنتج أفلاطون النظام السياسي، وما هي الروابط الاجتماعية في الفكر الأفلاطوني.
تحدّث أفلاطون عن ضرورة أن يكون الفيلسوف هو الحاكم، وعن أهمية تدريب النخبة الحاكمة على الموسيقى والرياضيات والرياضة، وعن منع التجّار من التدخّل في السياسة.
يقول الكثيرون إن المثالية التي تحدّث عنها أفلاطون لها علاقة بانكسار أثينا من قِبل أسبرطة، التي احتلّتها بسبب الفساد السياسي الذي كان مُستشرياً في أثينا، وأيضاً حالات المجون وشرب الخمر، وعدم قدرة شبابها على خوض مواجهات عسكرية.
لقد وضع أفلاطون ما سمّاه «نظام مثالي»، لأنه لاحظ كيف أن الانفلات أو عدم الانضباط يؤدّي إلى انهيار الدولة واحتلالها؛ فعمل على تخريج نخبة تتمتع بتفكير عقلي وحسّ سليم وانضباطيّة عالية، تمتلك القوّة البدنيّة أيضاً كي تقاوم أيّ احتلال. إذاً، المثالية لدى أفلاطون لها علاقة بروابط اجتماعية معيّنة.
وهنا نستطيع أيضاً دراسة الأنظمة السياسية الحالية والنخب المستفيدة منها. وآخر الذين كتبوا حول هذا الموضوع، هو «ميشال فوكو»، في كتابه «العلاقة بين المعرفة والسلطة». ويعتبر فوكو أن كلّ أنواع العلوم، بما فيها العلوم الاجتماعية، قد أنتجتها الدولة بهدف ضبط المجتمع.
لقد أنتجت الحضارة الغربية العلوم الإنسانية في إطار سعيها للسيطرة على المجتمع، من خلال فهم هذا المجتمع ومعرفة مشاكله واتّخاذ القرارات التي تكفل عدم تفاقم هذه المشاكل.
وقد قام ميشال فوكو ببحثٍ عن مستشفيات المجانين في أواخر القرون الوسطى، كي يدرس كيف أنتج العقل الغربي الحريّة، وتوصل إلى أنه لم يُنتج مفهوم الحريّة؛ كما أن النظام السياسي الغربي يُعاقب مباشرة، ويعتبر المجانين منبوذين.
ومن ثم تطوّر المجتمع نحو المراقبة، حيث نعيش اليوم في مجتمع المراقبة. فالمؤسسات الحديثة هي عبارة عن سجون كبيرة ومنشآت مراقبة. يقول فوكو: إن السلطة ليست مركزية، بل هي مبثوثة في كلّ ثنايا المجتمع.
الإيديولوجيا لها أكثر من معنى. فهي قد تعني الفكر السياسي، أو الرؤية الكونية، أو مجموعة الأفكار لحزب معيّن. وهناك نقاش كبير اليوم حول المثقّف ودوره في العلوم الإنسانية، وخاصة في علم الاجتماع السياسي، حول النخبة الموجودة في حزب معيّن وما تمثّله من تطلعات الشعب. وهل تعمل هذه النخبة على توعية الناس أو تستفيد من كونها نخبة؟ وهل تأخذ هذه النخبة الناس نحو الحداثة أو نحو شيء آخر؟
كذلك، هناك نقاش حول النخبة الحديثة غير الموجودة في السلطة، أي النخبة المتعلّمة، ودورها في المجتمع، وهل لهذه النخبة تأثير أو لا؟
ومن ضمن الإشكاليات التي يدرسها علم الاجتماع السياسي، والتي تحدث عنها ألتوسير، «الإيديولوجيا» التي تحتاجها السلطة. إن كلّ سلطة تحتاج إلى إيديولوجيا كي تبرّر ما تقوم به. فخطاب السلطة دائماً هو إيديولوجي يحاول تبرير ما قامت به السلطة. وهذا الخطاب الإيديولوجي تُنتجه النخبة في السلطة (المقصود بالنخبة من لديهم تأثير معنوي وثقافي على الناس، أي الأنتلجنسيا).
إن جميع الحضارات استخدمت المثقفين الكبار للترويج لها. ويُتّهم الفيلسوف هيدجر، الفيلسوف الذي توفّى عام 1976، بأنه كان نازيّاً، وأن الفكر الهتلري النازي استفاد من فلسفته. وقد أنتجت تلميذته، اليهودية حنّا هرنت، كتاباً عن الثورة استُفيد منه في الحرب ضدّ هتلر.
وألّف كارل بوبر، الفيلسوف الإبستيمولوجي المعروف، كتاباً اسمه (المجتمع المفتوح وأعداؤه)، وهو كان ضدّ هتلر؛ لكن استُفيد من هذا الكتاب في الحرب ضدّ الاتحاد السوفياتي.
الولايات المتحدة لم تستخدم القوة العسكرية فقط في صراعها مع الاتحاد السوفياتي، بل هي استخدمت القوة الناعمة أيضاً من خلال المثقفين.
كان الفكر الماركسي الثوري في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن العشرين يسيطر على الكثير من الجامعات في العالم، خاصة في أوروبا، وكان فكراً جذّاباً. لذلك، عمل الأميركيون حوالى 20 أو 30 سنة لتغيير هذا الفكر في العالم، واستطاعوا من خلال المال واستقطاب المثقفين الكبار إنتاج ثقافة مضادّة للفكر الماركسي الثوري. وهم «شيطنوا» هذا الفكر، كما الفكر الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، كي لا يكون بديلاً للفكر الماركسي.


2017-08-25 14:55:42 | 4050 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية