التصنيفات » مقالات سياسية

قراءة في محطة القاهرة لإنجاز المصالحة الفلسطينية


محمود إبراهيم

باحث فلسطيني


توطئة
      بتاريخ 17/9/2017،أعلنت حركة «حماس» عن حلّ اللجنة الإدارية في قطاع غزة، مع تعهدها بتمكين حكومة التوافق الفلسطينية من العمل بحريّة وتنظيم انتخابات عامة،  مقابل موافقة حركة «فتح» على إلغاء العقوبات التي فرضتها على القطاع وحلّ المشاكل المالية والإدارية العالقة.
  وبهذا تكون المخابرات المصرية قد حققت الاختراق المنشود للبناء عليه، في إطار تعزيز الدور المصري في الملف الفلسطيني ولعب دور رئيسي في التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، والذي يبدو أنه جاء بناءً على طلب أميركي يهدف إلى تكوين طرف فلسطيني مفاوض، للمشاركة في المؤتمر المطروح إقليمياً للأطراف ذات العلاقة بعملية التفاوض، لتحقيق الحل الإقليمي المنشود للقضية الفلسطينية. وقد لقي قرار «حماس» حلّ اللجنة التي شَكلت على مدار الأشهر الستة الماضية «عقدة العقد» أمام إتمام المصالحة، ترحيباً واسعاً، شعبياً وأممياً، ومن قِبل الفصائل الفلسطينية.
    القيادي في حركة فتح عزام الأحمد قال إنه تم الاتفاق مع المسؤولين المصريين على عقد لقاء بين «فتح» و«حماس» بعد أسبوع من تسلُّم الحكومة مهماتها كاملة في قطاع غزة، بما في ذلك الوزارات وأجهزة الشرطة والأمن ومعبر رفح وغيره، تمهيداً لعقد مؤتمر شامل للفصائل الفلسطينية الموقّعة على اتفاق القاهرة عام 2011.
    وكان وفد «فتح» قد أصرّ خلال لقاءات المصالحة الأخيرة على تنظيم انتخابات تشريعية فقط، فيما شدّدت «حماس» على تنظيم انتخابات للرئاسة وللمجلس الوطني لمنظمة التحرير، إلى جانب الانتخابات التشريعية، قبل أن يوافق الطرفان على صيغة توافقية قدّمها المصريون، وتقضي بتضمين البيان عبارة «تنظيم الانتخابات العامة».
      وظهر اتجاه داخل «حماس» طالب بقوّة بحلّ اللجنة، على قاعدة سحب الذرائع من محمود عباس، والذي سيضع عراقيل جديدة أمام إنجاز المصالحة، ورغبة من هذا الاتجاه في إنجاح مصر وتعزيز العلاقة معها تحسباً لمستقبل غامض؛ فضلاً عن حاجة حماس الى دور مصري فاعل في صفقة لتبادل الأسرى مع «إسرائيل» قد تُعيد للحركة، في حال إنجازها وإطلاق ألفي أسير مثلاً، جزءاً من شعبيتها التي تهاوت مؤخراً.
      وأشارت مصادر في حماس إلى أن وجود ضوء أخضر أميركي لإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني، قد أعطى مصر وكلّ الأطراف المعنية دفعة جديدة لتهيئة المسرح لاتفاق «سلام» محتمل، في إطار صفقة يُعدّ لها الرئيس دونالد ترامب ومستشاروه.
    ولفتت الى أن موافقة «حماس» على شروط الرئيس عباس الثلاثة فاجأت «فتح» وحشرتها في «الزاوية». ولم يجد وفد الحركة في القاهرة سبيلاً غير الموافقة والاستجابة لجهود مصر.
ورغم ذلك، قالت المصادر إن «حماس» مطمئنّة إلى دور مصر، لكن لديها شكوك تجاه نيّات عباس، و أن الاختبار الحقيقي للاتفاق الجديد سيكون على أرض الواقع بعد عودة عباس من الولايات المتحدة بأيام قليلة. وفي الوقت ذاته، يتم اختبار مدى استعداد «حماس» لتسليم الوزارات والهيئات الحكومية والأمن والمعابر لحكومة التوافق الجديدة.

ملف «تمكين السلطة» في مفاوضات المصالحة
       في سياق إنجاز اتفاق المصالحة، جرت الأمور بشكل سلس في البداية، حيث سلّمت حماس الوزارات في غزة والمعابر إلى حكومة رام الله. لكن المفاجئ هو إعلان رئيس حكومة السلطة أنه لا بد من تمكين حكومته في غزة حتى تستطيع ممارسة مهامها. وعلى ما يبدو كان هذا مؤشّراً على استجابة السلطة للضغوط الإسرائيلية والأميركية. فقد شدّد  رئيس حكومة الوفاق رامي الحمد الله على ضرورة تسلّم المهام الأمنية كافة في قطاع غزة، لتقوم حكومته بمهامها كاملة في غزة، قائلاً: "بدون تسليم مهامنا الأمنية كاملة سيبقى عملنا منقوصاً، بل وغير مُجدٍ أيضاً"؛ وشدّد على أن "المعيار الأساس لعمل حكومة الوفاق، ونجاح توصيات اللجان الثلاث التي شكّلناها لحلّ الإشكاليات العالقة مشروطٌ بحلّ قضية الأمن".
     لذا بدا غريباً الإصرار من قِبل وفد «فتح» إلى المفاوضات في القاهرة، برئاسة عزّام الأحمد، على مسألة  تمكين حكومة رام الله، كأساس للمضيّ قدماً في مسيرة المصالحة. واعتبر هذا الموقف أول المسامير التي سعت السلطة لدقّها في نعش المصالحة مجدّداً.
     وقد أصرّ الأحمد أن يقتصر الحوار على ملف تمكين السلطة في غزة، مع سيطرة الحكومة على قطاع غزة كاملاً، حيث سارت الحوارات في هذا الإطار على مدار ثلاث جلسات عقِدت في مقرّ المخابرات المصرية، وبحضور ممثّلي 16 وفداً (14  فصيلاً، 2 مستقلان).
      ولفتت مصادر معنيّة إلى أن موضوع التمكين تضمّن "ملف الأمن وسيطرة الحكومة على قطاع غزة كاملًا، وتقويم ما تمّ إنجازه حتى الآن". وقد قوبل مطلب التمكين برفض فصائلي، مع تشديد على الالتزام بأجندة الحوار وبنوده الخمسة التي تم إبلاغ الفصائل بها مسبقا.
      صلاح البردويل، عضو وفد حماس المشارك في الحوار، وفي ردّ فعل مباشر على النتائج الأوليّة للحوار، قال: "إن الفصائل لم تأتي لمناقشة تمكين الحكومة، لكن لمناقشة قضايا أكبر، مثل منظمة التحرير وتشكيل الحكومة، والانتخابات، وغيرها من القضايا التي ذكرها اتفاق القاهرة عام 2011»، لافتاً إلى أن موضوع تمكين الحكومة كان من المفترض أن يُخصّص له اجتماع بين فتح وحماس مطلع شهر كانون أول القادم، وإن محاولة الهروب من أية قضايا وطنية هي تهرّب من المصالحة.
     ولفت البردويل إلى أنه في الوقت الذي طالبت حركة فتح تمكين الحكومة في غزة، تحدثت كلّ الفصائل عن رفع العقوبات العقابية عن غزة فورًا، وأنه لا يجوز الربط بين تمكين الحكومة ورفع العقوبات، مشدّدا على أن التمكين للحكومة تم بالفعل، وأن المخابرات المصرية أخذت على عاتقها أن تكون هناك رقابة مصرية على خطوات تطبيق المصالحة.
وأشار إلى أن الضغوط الأميركية نجحت في دفع السلطة للتراجع عن إتمام ملفات المصالحة، وأن ماجد فرج أبلغ حماس أن قادة السلطة لا يستطيعون التقدم في المصالحة بسبب هذه الضغوط.
جاء ذلك في أعقاب انتهاء اجتماع الفصائل في القاهرة، وصدور البيان الختامي الذي لم يتطرق لرفع العقوبات عن غزة من قِبل السلطة الفلسطينية.
      بدوره، قال " جميل مزهر"، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن اتفاق الفصائل الذي تم التوصل إليه في القاهرة لم يكن على المستوى المطلوب،  وإنه لم يكن على مستوى أمل وطموحات الشعب الفلسطيني"، لافتاً إلى أن الاتفاق جاء من الفصائل كخطوة بديلة للفشل، مشيراً إلى أنه ناقش العديد من الملفات دون وضع جداول زمنية لتحقيقها. لكنه أكد أن البيان يمثّل الحدّ الأدنى، وأن كلّ الفصائل وافقت عليه، فيما تحفظت الجهاد الإسلامي على موضوع دولة على حدود 1967.
      في المقابل، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزّام الأحمد، أن جوهر اجتماعات الفصائل في القاهرة هو استكمال تمكين الحكومة لبسط سيطرتها على قطاع غزة، وفق النظام الأساسي والأنظمة والقوانين المعمول بها من دون تدخل أية جهة .
وأوضح الأحمد أن تمكين الحكومة أخذ 90% من وقت المجتمعين، حيث جرى تقييم ما تم تحقيقه من خطوات منذ توقيع اتفاق القاهرة في الثاني عشر من الشهر الماضي، والعقبات التي واجهت الحكومة، وإلى أين وصلت في إدارة المؤسسات والهيئات والمعابر .
وشدّد على أنه بدون تمكين الحكومة بالكامل في غزة لن يكون بالإمكان الانتقال لمربّع آخر من خطوات إتمام المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام. سينتهي ملف التمكين في الأول من كانون أول القادم، حيث سيُعقد لقاء ثنائي مع حماس في القاهرة.
وقد استعرض لقاء القاهرة محاور إنهاء الانقسام وآليات معالجتها، وهي:
•    أولاً: منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أكد المجتمعون على ضرورة الإسراع بخطوات تطوير وتفعيل منظمة التحرير وفقاً لإعلان القاهرة عام 2005، ودعوة لجنة تفعيل وتطوير المنظمة للاجتماع لتحقيق ذلك.
•    ثانياً: الحكومة، حيث جرى التأكيد على ضرورة ممارسة الحكومة لصلاحياتها في غزة والقيام بمسؤولياتها وتنفيذ اتفاق 12/10، بين حركتي فتح وحماس بهذا الخصوص، ومناقشة تعزيز وضعها.
•    ثالثاً: الحريّات، حيث تمّت دعوة لجنة الحريّات، التي شكّلت وفق اتفاق المصالحة عام 2011، لاستئناف عملها فوراً في غزة والضفة، والتأكيد على ضمان الحريّات والحقوق وفقاً للقانون.
•    رابعاً: المصالحة المجتمعية، عبر دعوة لجنة المصالحة المجتمعية لاستئناف عملها، والعمل على تقديم التسهيلات والمتطلبات المادية والمعنوية والقانونية لإنجاز مهامها.
•    خامساً: الانتخابات العامة، عبر دعوة لجنة الانتخابات المركزية والجهات المعنية لإنجاز كافة أعمالها التحضيرية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني المتزامنة، في موعدٍ أقصاه نهاية 2018، وتخويل الرئيس محمود عباس لتحديد موعد الانتخابات بعد التشاور مع كافة القوى والفعاليات الوطنية والسياسية .
•    سادساً: التأكيد على سيادة القانون وحفظ الأمن والاستقرار، بما يصون أمن الوطن والمواطن وفقاً لاتفاق المصالحة عام 2011، والمباشرة فوراً بتنفيذ ذلك وفق ما تمّ الاتفاق عليه في 12/10.
•    سابعاً: المجلس التشريعي، حيث دعا المجتمعون الكتل والقوائم البرلمانية في المجلس التشريعي لتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه بشأن تفعيل المجلس التشريعي واستئناف أعماله الاعتيادية.
 
  آليّات تنفيذ المصالحة الفلسطينية
     كشفت مصادر معيّنة عن تفاصيل تطبيق الاتفاق بين حركتي فتح وحماس في القاهرة، والذي تمّ بموجبه إعلان حركة حماس عن حلّ اللجنة الادارية. ويقوم هذا الاتفاق على النقاط الآتية:
   1- تعقد حكومة الوفاق الوطني اجتماعاً في غزة لدراسة الأوضاع وإجراء تقييم شامل للظروف الميدانية.
2- تقدّم الحكومة بعد ذلك تقريراً مفصّلاً يتم عرضه في اجتماع ثنائي بين حركتي فتح وحماس في القاهرة خلال عشرة أيام، ويكون بمشاركة ومراقبة مصرية، لبحث كلّ الملفات العالقة، وأبرزها: الأمن، والمعابر، والموظفون، والكهرباء. ويبحث كذلك آليات تحقيق المصالحة بناءً على اتفاق القاهرة الموقّع عام 2005، واتفاق المصالحة المبني عليه الموقّع في العام 2011 .
3- بعد ذلك يتفق الطرفان على اجتماع آخر موسّع بمشاركة فصائل منظمة التحرير، لبحث بقيّة الملفات العالقة والمشتركة، ومن بينها الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وانتخابات منظمة التحرير.
      وقد ذكرت صحيفة «الحياة» اللندنية  أن ثمّة إجماعاً داخل حركة «حماس»، بأقاليمها المختلفة، على التفاهمات التي تمّ التوصل إليها مع مسؤولين مصريين وحركة فتح» في حوارات القاهرة، خصوصاً في ضوء «الضمانات» المصرية، وبوجود «ضوء أخضر أميركي» لإنهاء الانقسام الفلسطيني؛ لكن الحركة شدّدت على تمسكها بإدارة الأمن في قطاع غزة إلى حين تسوية الملف الأمني نهائياً، وأعلنت أنها ستحتكم إلى الانتخابات في شأن وزنها وشعبيتها.  
 المصالحة الفلسطينية «تحاصر» «إسرائيل»..!  
      أكد مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية الأسبق اللواء ممدوح الإمام أن "المصالحة الفلسطينية حاصرت إسرائيل في ركن واضح وهو السلام. وهذا يعني أنه أصبح هناك مفاوض فلسطيني واحد لديه تفويض من الشعب الفلسطيني، ويستطيع الجلوس مع «إسرائيل» على مائدة مفاوضات برعاية دول المنطقة الكبرى"!
     وأضاف: "مع وجود مفاوض فلسطيني ممثّل للشعب الفلسطيني فقد انتهت الحجج الإسرائيلية، حيث كانت إسرائيل تقول: "مع من سأتفاوض، هل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، أم حركة حماس في قطاع غزة؟"، حيث أن الاتفاق التاريخي الذي حدث بتوحيد الصف الفلسطيني أبطل هذه الحجج الإسرائيلية".
  وأوضح الإمام أن الخطوة الأساسية من ملف المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية قد تمّت بالفعل، وهي وجود حكومة واحدة للشعب الفلسطيني، مبيّناً أن ما سيتبع ذلك، ضمن مصلحة الشعب الفلسطيني، هو دعوة الاتحاد الأوروبي لإرسال مراقبيه في المعابر؛ وبالتالي يتم تنفيذ اتفاقية المعابر عام 2005 بحريّة التنقل للشعب الفلسطيني والاستيراد والتصدير وإقامة ميناء ومطار لقطاع غزة. ولكن الخلاف الفلسطيني هو الذي أخّر ذلك.
    يُشار هنا أنه خلال رعاية القاهرة لجلسات المصالحة منذ عام 2009، لم تكن جادّة في التعامل مع ملف المصالحة، ولم تكن تعتبر إنجاز هذا الملف اختباراً لمكانتها وحضورها العربي والدولي. كما كانت منشغلة بقضايا أخرى أكثر أهمية. من هنا كان صمتها المطبق على ممارسات الأطراف الفلسطينية، وتعاملها مع ملف المصالحة باستخفاف، حتى حين كان مسؤولو الفصائل ينقلونه من بلدٍ إلى آخر، وحتى إلى دول معادية لمصر .
    لكن الأمور تغيّرت مؤخراً بالنسبة لكلّ الأطراف، وخصوصاً بالنسبة لمصر. فلأول مرّة تضرب مصر على الطاولة وتعلن نفاذ صبرها على عبثية الفلسطينيين في التعامل مع ملف المصالحة؛ وهي كانت واضحة مع حركتي حماس وفتح، خلال لقاءاتهما الأخيرة في القاهرة، بأنها ستأخذ على عاتقها مهمة إصلاح البيت الفلسطيني وفرض رؤيتها؛ ومن لا يتجاوب معها فهناك بدائل عنه، وليتحمّل لوحده المسؤولية .
     وبالعودة إلى ما جرى في القاهرة، يبدو أن مصر قد استعادت دورها في الإمساك بملف المصالحة الفلسطينية. وتبدّى ذلك من خلال نجاحها في إقناع حركة حماس بالتجاوب مع (مبادرة) الرئيس أبو مازن فيما يتعلق بحلّ اللجنة الإدارية، تمهيداً للنظر في إجراءات الرئيس تجاه موظفي غزة والسماح لحكومة الوفاق بممارسة عملها في القطاع، ومن ثمّ استكمال تنفيذ اتفاق القاهرة الموقّع في العام 2011 .
      من جهة «إسرائيل»، هي لم تعلّق على اتفاق المصالحة الفلسطينية، ما دفع الكاتب "يوني بن مناحيم" في موقع «نيوز ون» الإخباري، ليتساءل عن الصمت الإسرائيلي إزاء مباحثات المصالحة الفلسطينية الجارية بين حركة (حماس) وحركة (فتح)، معتبراً أنه سلوك غريب عن «إسرائيل»، موضحاً أن هذا الصمت يتزامن مع ما يجري الحديث عنه من رفع الفيتو الأميركي عن المصالحة، وإعطاء الرئيس دونالد ترمب الضوء الأخضر لمصر والسلطة الفلسطينية لاستكمال هذه المصالحة، بغرض الخروج بموقف فلسطيني موحّد للذهاب لمفاوضات سياسية جديدة مع «إسرائيل».
وتابع: إن «إسرائيل»  التي أعلنت معارضتها لاتفاقات مصالحة فلسطينية سابقة بصورة حادة، ورفضت أيّ تعاون أو تقاسم للحكم بين حماس والسلطة، ربما تحاول هذه المرّة التزام الحذر وعدم التعقيب، انطلاقاً من تقديرها بأن اتفاق المصالحة لن يخرج إلى النور، ولن تتمكن الحركتان من ترجمة تصريحاتهما إلى سلوك عملي على الأرض.
     وأوضح يوني بن مناحيم أن «إسرائيل» لديها تقديرات بأن حركة حماس ذاهبة باتجاه تقليد نموذج حزب الله في لبنان ونقله لقطاع غزة، وأن الحركة لا تريد أن تكون مسؤولة عن إدارة شؤون الفلسطينيين الحياتية والمعيشية في غزة؛ وفي الوقت ذاته تريد الاستمرار في المحافظة على الوضع الأمني الداخلي وعدم تفكيك الأجهزة الأمنية أو جهازها العسكري.
    وأشار إلى أن «إسرائيل» تقدّر بأن حماس قد تصل في محاكاتها لنموذج حزب لله إلى تشكيل حزب سياسي مقرّب من الحركة للدخول في الانتخابات البرلمانية، وربما المشاركة بوزراء في الحكومة القادمة.
      وختم بالقول إن معلومات «إسرائيل» الأمنية تفيد بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يُدرك نوايا حماس، لكنه سيبذل جهده لمنعها من تنفيذها. وهو يريد من هذه المصالحة تحقيق إنجاز سياسي خاص به، يظهره ممثّلاً لكلّ الفلسطينيين، وناجحاً في توحيدهم بعد عشر سنوات صعبة من الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية.
 لكن العدو ما لبث أن أكد على أنه لن يتعامل مع حكومة فلسطينية تكون حماس طرفاً فيها، وانه يجب نزع سلاحها، مع اعترافها بالاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية وتقطع علاقاتها بايران؛ وهو ما بدا أيضاً موقفاً أميركياً من المصالحة، تبنّته السعودية خلال اللقاء الأخير لوليّ عهدها بن سلمان مع عباس، حين أيدت مطلبه بسلاح واحد .. وهو ما عكس ظلاله على لقاء القاهرة مؤخراً.
 خاتمة
لقد ظهر من خلال محادثات الفصائل في القاهرة أن المصالحة ليست شأناً فلسطينياً فقط، وأنها مرتبطة بجهود إحياء التسوية ومساراتها. فرغم أن حماس سلّمت كافة الوزارات والهيئات في قطاع غزة، إلا أن اجتماع القاهرة كان، بنتائجه، أدنى بكثير من التوقعات. وحماس ستكون محكومة برغبة العدو في انتزاع المزيد من التنازلات حول مسألة المقاومة، إضافة إلى رغبة السعودية في التنازل أمام العدو، لكي يصطف معها في حلف إقليمي ضد إيران؛ وكذلك الرغبة المصرية في كسب حماس إلى جانبها  في المواجهة الدائرة في سيناء مع الجماعات الإرهابية، مقابل التخفيف عن أهالي قطاع غزة حتى لا يحدث انفجار يضرّ بمصالحها؛ ناهيك عن استمرار مصر في رعاية التهدئة بين غزة والعدوّ الصهيوني. هذا إلى جانب الاستفادة من المعطيات الاقتصادية عبر التبادل مع غزة؛ وكلّ ذلك كي تحافظ القاهرة على موقعها ودورها الإقليمي، المحكوم بالسقف الأميركي في النهاية.
 

 

2017-11-29 13:20:52 | 1713 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية