التصنيفات » دراسات

القدس في الملف الدولي

بقلم : د. محمد المجذوب

 القدس (ومعها القضية الفلسطينية) كانت ولا تزال المحكّ أو التحدّي لنجاح الأمم المتحدة أو إخفاقها في التوفيق بين المبادئ الإنسانية السامية التي أعلنتها في ميثاقها، وفي الاتفاقيات الدولية التي رعتها، وبين الواقع المرير الذي تعيش فيه، وترضخ لنزوات المستكبرين فيه.

ويؤلمنا أن نُعلن، دون تردد، أن المنظمة العالمية التي آلت على نفسها احترام حقوق الإنسان، وتعميم العدالة والمساواة بين البشر، ومنح الشعوب حق تقرير المصير، وإغاثة الملهوفين والمظلومين والمضطهدين في الأرض، قد أخفقت في مهامها وخيّبت آمال الأجيال.

 صحيح أنها كرّست للقضية الفلسطينية، وللقدس بوجه خاص، ما لم تكرسه للقضايا الدولية الأخرى من رعاية وانتباه، وأنها لم تقصر في تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني المشرد أو المضطهد، وأنها لم تتوانَ عن تكرار الشجب والاستنكار والإدانة للعدو الصهيوني الذي أدخلت كيانه في العضوية الأممية، إلاّ أنها لم تتمكن، رغم الجرائم الدولية التي ارتكبها هذا العدو، من توجيه لومٍ (مجرد لومٍ) إليه وحل قضية الشعب الفلسطيني وإعادته إلى وطنه وتحرير عاصمته.

 ويبدو أن الأمم المتحدة تطبق، في معالجتها للمشكلات الدولية الحادة، الفلسفة التي عبّر عنها يوماً أحد السياسيين الأميركيين البارزين عندما قال: " إنني أرى قضايا لا يمكننا حلّها الآن. ربما يكون في وسعنا حلّها بعد عشر سنوات أو أكثر. وأحسن ما يمكننا عملـه الآن هو أن نمطّها مطاًّ، ونمدّها مداً، ونجرّها جـراً .... إلى أن يحلّ الفرج ".

 وهذه الفلسفة تعني، بلغة التعامل الدولي، إتباع سياسة التسويف والمماطلة، واللجوء إلى التدابير الموقتة، والإكثار من الوعود المعسولة والمخدّرة، وتكرار الدعوة إلى الاجتماعات والمفاوضات، وإصدار البيانات والإعلانات.
 وفي خضم هذه الفلسفة أضعنا القدس التي يقدّسها المسيحيون والمسلمون لأنها تحتضن كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وقبّة الصخرة . والغريب أننا ما زلنا ، منذ حدوث النكبة الكبرى ، نعلّل النفس بأن مكانتها الدينية الرفيعة كفيلة ، إذا ما تعرّضت أعتابها المقدّسة لأيّ سوء ، بتفجير الغضب الساطع وتحريك المشاعر الثائرة وإطلاق صرخة (واقدساه) في كل أرض يُقرع فيها جرس أو يسمع فيها أذان ، متناسين أن المسجد الأقصى تعرّض يوماً للحريق والتدنيس ، وأن أنفاقاً ودهاليز شُقّت تحته وحوله ، وأن رصاصاً أُطلق على المصلين فيه ، وأن العدو وجّه مؤخراً إنذارات إلى العرب المقدسييّن بإخلاء منازلهم ومغادرة أرضهم وأملاكهم ، فلم يتحرك أولو الأمر في بلادنا ، وفضّلوا التزام الصمت الرهيب ، لأن خصال الشمم والإباء والعنفوان التي كنا نفاخر بها كادت تتلاشى من أرضنا الطيبة التي تولّى الحكم فيها عدد كبير من هؤلاء الذين وصفهم الشاعر عمر أبو ريشة بقوله :
إن خوطبـوا كذبوا ، أو طولبوا غضبوا
وإن حوربوا هربوا ، أو صوحبوا غدروا
عاشوا وما شعـروا ، ماتوا وما قُبـروا

*****************

 وكل حديث عن القدس يدعو إلى إلقاء نظرة على وضع القدس وحدودها في الملف الدولي ، والتعرّف إلى موقف الإسرائيليين من القدس ، والتمعّن في نتائج عملية التخلّي عن مرجعية الأمم المتحدة وتقديم التنازلات المجانية عن الحقوق للعدو الإسرائيلي . ولابد أيضاً من تقديم شرح مبّسط لفكرة تدويل القدس ، واستعراض سريع لموقف الولايات المتحدة من القدس .

أولاً – حدود القدس في الملف الدولي
إن القدس في الملف الدولي ، وعلى صعيد الصراع العربي – الإسرائيلي ، تشمل مدينة القدس بحدودها الواسعة ، أي منطقة القدس التي تضم ، إدارياً ، بلدية القدس والقرى والبلدات المجاورة أو المحيطة . وفي حزيران 1998 ، اتخذت حكومة العدو الإسرائيلي قراراً بتوسيع حدود بلدية القدس ، فأدخلت عدداً من المستعمرات اليهودية الواقعة في الضفة الغربية ضمن نطاق بلدية القدس الكبرى . وهذا يعني إلحاق أراض عربية في الضفة الغربية (التي تُعتبر أرضاً محتلة) ببلدية القدس وإخضاعها للنظام الإسرائيلي .

وعندما نعود إلى الأربعينات من القرن الماضي ، أي إلى السنوات الأخيرة من عهد الانتداب البريطاني على فلسطين ، نجد بريطانيا ، في شباط 1947 ، تعترف بعجزها عن إيجاد حل للقضية الفلسطينية ، وتعلن عن عدم رغبتها في إدارة فلسطين إلى ما لا نهاية ، وتدّعي أن العرب واليهود لا يستطيعون الاتفاق على الحل الذي ترتئيه ، وتطلب بعد شهرين إدراج القضية في جدول أعمال الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة لكي تُدلي هذه الجمعية بتوصياتها حول نظام الحكم المقبل في فلسطين .

وفي 28 نيسان 1947 ، تلتئم الجمعية العامة في دورة استثنائية وتتخذ أربعة قرارات ، الأول يمنح الوكالة اليهودية فرصة الإدلاء بشهادتها ، والثاني يمنح الهيئة العربية العليا لفلسطين فرصة مماثلة ، والثالث ينشئ لجنة خاصة بفلسطين ، والرابع يدعو الحكومات والشعوب ، ولاسيما سكان فلسطين ، إلى الامتناع عن اللجوء إلى القوة أو التهديد بها .

وتعقد اللجنة الخاصة المكونة من 11 عضواً عدة اجتماعات فلا تتفق على حل واحد ، فتقدم إلى الجمعية مشروعين مختلفين : مشروع الأكثرية (7 أعضاء من 11) الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين ترتبطان باتحاد اقتصادي ، وبتدويل القدس تحت وصاية الأمم المتحدة ، ومشروع الأقلية (4 من 11) الذي يقضي بإنشاء دولة اتحادية عاصمتها القدس .

وتُعيّن الجمعية العامة لجنة خاصة أخرى لدراسة المشروعين ، فتُقرّ مشروع الأكثرية ، وترفع الأمر إلى الجمعية التي تُصدر ، في 29/11/1947 ، قراراً يحمل الرقم 181 ، ويُعرف باسم قرار التقسيم (33 صوتاً ، ضد 13 ، وامتناع 10 عن التصويت) .

وأكد معظم الفقهاء الدوليين أن قرار الجمعيـة مشوب بالبطلان لسببين جوهريين : لأنه كان نتيجة مناوراتٍ رافقت عملية التصويت ، ولأنه يتناقض مع حق تقرير المصير .

وبعد صدور القرار يُعهد إلى مجلس الوصاية في الأمم المتحدة بوضع نظام وصاية دولية للقدس ، فيهتم المجلس بالموضوع خلال الأعوام 1947 – 1950 ويُصدر عدة قرارات كان آخرها القرار الصادر في 14/6/1950 ، الذي عبّر المجلس فيه عن خيبة أمله لعدم استعداد إسرائيل والأردن للتعاون معه على تطبيق النظام المقترح للوصاية .

ولم يُصدر المجلس بعد هذا التاريخ أيّ قرار يتعلق بالقدس . وكان ذلك يعني فشل الأمم المتحدة في إقرار نظام دولي لهذه المدينة .

والحقيقة أن التاريخ المعاصر للقدس يتلخص في ثلاثـة أمور تمثّل ثلاث مراحل : اقتراح التدويل ، وتطبيق التقسيم ، وإنجاز الضم .

1- ففي العام 1947 ، أصدرت الجمعية العامة ، كما ذكرنا ، قرارها الشهير بتقسيم فلسطين وتدويل القدس . وكانت فكرة التدويل مستغربة لسببين : لأن هذا النظام فُرض على سكان مدينة عربية متجانسة دون موافقتهم ، ولأن المدينة لم تكن قط بحاجة إلى تدويل ، فهي مدينة مفتوحة لأتباع كل الديانات السماوية ، تستقبلهم بحرية وتسامح وبلا تحيّز . والمدينة لم تتبع يوماً ، على الرغم من عروبتها ، نظاماً من التمييز أو الاضطهاد ضد اليهود .
2- بذلت الأمم المتحدة جهوداً لوضع نظام دولي للقدس وإقراره وإقناع الأطراف المعنيّة بضرورته ، فلم تُوفّق ، وبقي النظام حبراً على ورق . ومع توقيع اتفاقية الهدنة بين الأردن وإسرائيل أصبحت القدس تخضع لتقسيم واقعي ، فقد احتلت إسرائيل القدس الجديدة ، وأكد الأردن سيادته على القدس القديمة التي تضم الأماكن المقدسة .
3- بعد حرب العام 1967 ، استولت إسرائيل على القدس والضفة الغربية بكاملها ، وأعلنت توحيد قسمي المدينة . ومع أن الجمعية العامـة عبّرت ، في 4/7/1967 ، عن قلقها الشديد لتغيير وضع القدس وطالبت إسرائيل بإلغاء جميع التدابير التي اتخذتها ، ومع أنها ، في 16/12/1980 ، أكدت " رفضها الشديد لقرار إسرائيل ضم القدس ، وجعلها عاصمةً لها ، وتغيير طابعها المادي وتكوينها السكاني وهيكلها المؤسسي ونظامها " ، واعتبرت " أن كل هذه التدابير والآثار المترتبة عليها باطلة ولاغية " ، وطلبت إلغاءها فوراً .... مع كل ذلك لم تقم إسرائيل بأي إجراء للرجوع عن عملية الضّم . ونشير هنا إلى أن الكنيست الإسرائيلي كان ، منذ 13/12/1949 ، قد أعلن القدس عاصمةً للدولة العبرية ، وأن توسيع حدود بلدية القدس كان ، منذ اغتصاب الجزء الأكبر من فلسطين في العام 1948 ، الشغل الشاغل لزعماء العدو . وإذا كان التوسع قد اتّجه غرباً قبل حرب العام 1967 ، فإن مرحلة التوسع الأساسية قد تمّت بعد هذه الحرب ، أي بعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية وقيامها بضم مساحات شاسعة من الأراضي المجاورة وإدخالها في نطاق حدود بلدية القدس .

ويهدف التوسيع إلى تحقيق ثلاثة أغراض :
أ‌- تفريغ القدس من سكانها العرب .
ب‌- تهويد منطقة القدس بكاملها .
ج- إحاطة القدس بمستعمرات يهودية ، وجعل هذا الأمر واقعاً مفروضاً لا يمكن تجاهله لدى درس وضع المدينة .

وشاركت الحكومات الإسرائيلية ، على اختلاف اتجاهاتها السياسية ، في وضع خطة " القدس الكبرى " . ففي العام 1990 ، مثلاً ، وضع أرييل شارون ( وكان آنذاك وزيراً للبناء والإسكان ) خطة توسيع حدود المدينة وتكثيف بناء المستعمرات حولها . وكانت الخطة ترمي إلى جعل مساحة القدس ألف كيلومتر مربع ، وابتلاع مدن عربية كبرى ، مثل بيت لحم ورام الله .

ونظرة خاطفة إلى تقلّص عدد السكان العرب لصالح المستعمرين اليهود في القدس منذ إنشاء إسرائيل تثبت التصميم على التوسع والتهجير . ففي العام 1967 ، كان في المدينة 200 ألف يهودي و 68 ألف عربي ، فارتفع عدد اليهود اليوم إلى أكثر من 700 ألف ، في حين أن عدد العرب لا يتجاوز 200 ألف .

وفي بداية أيار 2009 ، أذاعت وكالات الأنباء أن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية طالب إسرائيل ، في تقريره عن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، بتجميد عمليات هدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية . وذكرت أن هناك 190 ألف مستعمر إسرائيلي يعيشون في هذا القسم من القدس ، وأكثر من 60 ألف فلسطيني يواجهون يومياً خطر هدم منازلهم ، وأن إسرائيل قامـت ، منذ العام 1967 ، بمصادرة أكثر من ثلث أراضي القدس الشرقية ، وحجز أكثر من 22 في المئة من الأراضي الباقية لإقامة مشاريع البنية التحتية العامـة والمساحات الخضراء .

ثانياً – موقف الإسرائيليين من القدس
كان المسؤولون العرب ، ومن ضمنهم معظم المسؤولين الفلسطينيين ، ينادون بالنضال من أجل تحرير فلسطيـن من النهر إلى البحر ، وفي مقدمتها القدس بكاملها . ولكنهم أخذوا ، بعد أن هان الهوان عليهم ، يطالبون باستعادة القدس الشرقية فقط لجعلها عاصمة لدولة فلسطينية مفككة تخلوا عن استقلالها وعزتها قبل قيامها .

وإذا كان حلم التحرير الفلسطيني ما زال يدغدغ بعض النفوس الصامدة والأبيّة ، فإن إصرار إسرائيل على إخضاع القدس وما حولها لسيادتها الكاملة كفيل بتبديد أحلام اليقظة . وحسبنا الاستشهاد ببعض المواقف والأحداث المعبّرة :
1- في العام 1990 ، كان الرئيس الأميركي السابق (بوش الأب) يستعد سراً لتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق . ومن عادة الدول الاستعمارية بذل الجهود لاسترضاء الزعامات والشعوب المستضعفة بالكلمات والوعود المعسولة عندما تنوي القيام بأعمال غير مشروعة . وتحقيقاً لهذا الغرض أعلن بوش أن بلاده لا توافق على قيام مستعمرات جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية . فتصدّى له إسحاق شامير (وكان رئيساً لوزراء العدو) ودحض تصريحـه بقوله : " ليس هناك مستعمرات في القدس لأن القدس بكاملهـا جزء شرعي من إسرائيل الكبرى " .
2- وفي العام 1993 ، جرى توقيع (إعلان المبادئ) في واشنطن (اتفاق أوسلو) ، وكان رابين رئيساً لوزراء العدو . وفي الاحتفال بالتوقيع قال : " لقد جئنا من القدس ، العاصمة القديمة والأبدية للشعب اليهودي " . وبعد أيام وقف في الكنيست طالباً التصديق على الاتفاق . وفي كلمته ذكر أن إسرائيل أكدت في الاتفاق بقاء القدس الموحدة تحت سلطة إسرائيل . وختم كلمته قائلاً : " هذا هو انتصار الصهيونية ، وهي تحظى بالاعتراف حتى من ألد أعدائها " . ولم يعلّق معظم المسؤولين العرب بكلمة على هذا التبجّح . بل إن بعضهم اعتبر اغتياله فيما بعد خسارة للقضية الفلسطينية ، ووصفه بأنه " صديق شجاع وابن عم " !
3- وفي 30/7/1980 ، أصدر الكنيست في عهد مناحيم بيغن (رئيس الحكومة آنذاك) قانوناً أساسياً (دستورياً) أكد فيه أن " القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل ومقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا " . وعمدت إسرائيل ، منذ ذلك التاريخ ، على تحقيق المزيد من مصادرة الأراضي المحيطة بالقدس . واستمرت ، بالتزامن مع عمليات المصادرة ، في نشاطها الإعلامي الهادف على ترسيخ فكرة " القدس الموحدة والعاصمة الأبديـة لإسرائيل " ، والاحتفال سنوياً بـ "يوم القدس" ، احتفاءً بتحرير القدس الشرقية .
4- وساهم الكنيست في تكريس سياسة ضم القدس الشرقية ، ليس من خلال تشريعات أصدرها فقط ، بل كذلك من خلال قرارات اتخذها في أكثر من مناسبة . ففي 18/3/1990 ، أصدر قراراً بأغلبية ساحقة ورد فيه أن القدس الموحدة والكاملة وتحت السيادة الإسرائيلية هي عاصمة إسرائيل ، وأن النواب فيه لا يشاركون في أية مفاوضات في شأن وحدتها والسيادة الإسرائيلية عليها . وفي 9/5/1994 ، تبنّى الكنيست قراراً مشابهاً للقرار السابق ورد فيه أنه بمرور 27 عاماً على تحرير القدس وتوحيدها ، يعود الكنيسـت ويقرر أن القدس ، عاصمة إسرائيل ، ستبقى إلى الأبد مدينة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية ، " وأن القدس وضواحيها ليست موضوعاً سياسياً أو أمنياً ، وإنما هي روح الشعب اليهودي " .
5- وانضمت المحكمة العليا في إسرائيل إلى جوقة الكنيست والحكومة ، فانتهزت كل فرصة لتأكيد ضم القدس المحتلة إلى إسرائيل ، وتطبيق القوانين الإسرائيلية على القدس الشرقية ، والجزم بأن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من إسرائيل . وقراراتها في هذا الصدد كثيرة . ولعل أشهرها ذلك القرار الصادر في 23/9/1993 ، الذي يرى في التدابير التي تتخذها الحكومة بشأن الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية مسألةً داخلية تخوّل إسرائيل تجاهل قرارات الأمم المتحدة .
6- وإسرائيل لم تغيّر موقفها من مسألة القدس بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 ، ولا بعد توقيع اتفاق القاهرة في العام 1994 ، ولا بعد اتفاق طابا في العام 1995 . والأمثلة كثيرة ، منها الاستمرار في بناء وحدات سكنية في جبل أبو غنيم ، ومصادرة آلاف الدونمات ، وفصل شمال الضفة عن جنوبها ، وتعريض المؤسسات الفلسطينية للمضايقات ، ومنع الفلسطينيين من غير سكان القدس من القدوم إليها إلاّ بتصريح خطي إسرائيلي ، وازدياد الحفريات الإسرائيلية في منطقة الحرم تحت المسجد الأقصى .
7- وموقف المسؤولين الكبار في إسرائيل من مسألة القدس واضح وثابت . ونكتفي بإيراد موقفين لاثنين من الحكـام : بيريز ونتنياهو . الأول هو الآن رئيس الدولة . وقد سبق له أن صرح أكثر من مرة في الكنيست وأكد " أن القدس لن تُقسّم ، ولن نوافق على أي تقسيم للقدس . والقدس لن تكون عاصمة لكيانين . القدس لن تكون برلين ، ولن يُقام فيها سور ، ولن تُجّزأ " . والثاني هو الآن رئيس الحكومة . وقد أكد ، في مناسبات عدة ، أنه لا يرى في مصادرة الأراضي العربية ، وتشييد المستعمرات ، والاستمرار في الحفريات ، خرقاً للاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينية ، ولا انتهاكاً لقواعد القانون الدولي . ومنذ أعوام أدلى بتصريح في مدينة أوسلو أعلن فيه " أن القدس مدينة يهودية منذ ثلاثة آلاف سنة ، ولا يمكن بالتالي التفاوض حولها " .

ثالثاً – التخلي عن المرجعّية الأممّية والتنازلات المجانيّة عن الحقوق
إن وضع القدس ، في الضمير الإنساني والوجدان العربي والواقع العملي ، لا يمكن أن ينفصل عن وضع فلسطين باعتبارها جزءاً عزيزاً من الوطن العربي . ومصير القدس سيبقى دوماً مرتبطاً بمصير فلسطين . ولا قيمـة للقدس خارج فلسطين . والعكس صحيح كذلك . وواهم من يتصوّر احتمال تحرير القدس دون تحرير فلسطين . وإذا كانت القدس مدينة ، فهي عروسة المدائن . وإذا كانت عاصمة فهي درّة العواصم . وكثيراً ما ارتبط مصير الأمم بمصير عواصمها . وكم من أمة انهارت أو بادت أو استسلمت بعد سقوط عاصمتها .

واستعادة فلسطين كاملةً ، ومعها القدس كاملةً ، لا يتم بالمساومات والصفقات والتنازلات والقرارات الدولية ، فلم يحدث يوماً أن تمكّن قرار دولي ، صادر عن دول متآمرة أو متواطئة ، من فرض حلٍّ عادل أو إعادة حق سليب . وما زال النضال القومي أصدق أنباءً وأجدى نتيجةً من أي قرار دولـي ، ولو صدر بالإجماع ، فالحق في القضايا القومية والمصيرية لا يُستعاد إلاّ بالمقاومة أو النضال القومي أو القوة الذاتية . والعدالة لا تخرج من بؤر المفاوضات العقيمة إلاّ على رؤوس الحراب .

هناك أنظمة عربية متلهفة على إنجاز معاملات السلام مع العدو الإسرائيلي مع أنها تدرك أن سلامه مخاتل مراوغ لا يسفر إلاّ عن كوارث وخسائر . لقد ارتكبت هذه الأنظمة ، بمحض إرادتها ، خطأً كبيراً عندما تخلّت عن مرجعية الأمم المتحدة في مؤتمر مدريد ورضيت بأن تكون أوراق الحل والعقد في أيدي الولايات المتحدة وحدها . وارتكب المسؤولون الفلسطينيون خطأ أكبر عندما استبعدوا القرار 242 لدى توقيع اتفاق أوسلو ، ووافقوا على إرجاء البحث في مصير القدس إلى المرحلة النهائية من المفاوضات مع العدو (التي قد لا يكون لها نهاية) .

فهذه الموافقة المتسرعة جردت الفلسطينيين (والعرب) من أي سلاح أو مستند يرتكز على قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحظر ضم القدس أو التلاعب بمصيرها .

وبما أن القدس أصبحت ، برضا الطرفين ، بنداً من بنود المفاوضات التي قد تطول أو تتعقّد أو تتعثّر ، فليس من المستبعد أن تطلب إسرائيل أو الولايات المتحدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة شطب جميع القرارات الدولية الخاصة بالقدس ، تماماً كما فعلت ، في العام 1991 ، عندما نجحت في إلغاء القرار الصادر في العام 1975 ، والذي كان يُقرّ بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري . وتلك كانت السابقة الوحيدة ، واليتيمة حتى الآن ، في تاريخ المنظمة العالمية .

ففي الاتفاقيات المجحفة التي تمّت حتى اليوم انتقل الوضع القانوني للقضية الفلسطينية من حق تقرير المصير الذي أقرّته الأمم المتحدة وسمحت بموجبه للشعب الفلسطيني باستخدام كل الوسائل ، بما فيها الكفاح المسلح ، للدفاع عن حقوقه واسترداد سيادته ، إلى مجرّد خلاف على أراضٍ متنازع عليها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تتراوح بين 10 و 13 في المئة من مساحة ما تبقى من الضفة الغربية (وهذا إذا سُمح لنا بمعرفة ما تبقى) .

وهذه التنازلات المجانية التي قُدّمت لإسرائيل دون مقابل يُذكر أفقدت السلطة الفلسطينية حقوقاً اقرها المجتمع الدولي وسمح لمنظمة التحرير ، باعتبارها حركة تحرير وطني ، باستخدامها وإثارتها والمطالبة بها في كل المحافل الدولية .

والمؤسف أن التنازل عن الحقوق القومية لم يترافق مع إيقاف الانتهاكات الإسرائيلية للقواعد والقرارات الدولية ، فالهجرة ازدادت ، والاستعمار الاستيطاني تفاقم ، والتهويد طغى وتجبّر . تلك هي العناصر الثلاثة التي شكّلت ، تاريخياً ، المرتكزات التي قام عليها الكيان الصهيوني .

والصمت أو التخاذل العربي الرسمي شجع الولايات المتحدة ، بالتواطؤ مع إسرائيل ، على بذل الجهود ، منذ اتفاق أوسلو ، لشطب (أو إهمال أو تجاهل) جميع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة ، وحجتها في ذلك أن هناك مفاوضات ثنائية تجري بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لحل المشكلات العالقة ، ولهذا لا داعي لتدخل أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة . والهدف المستتر لهذه الحملة يكمن في الرغبة في إلغاء كل سند قانوني يُقرّ للشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة . وإذا كانت الحملة لم تحظ حتى الآن بالنجاح (باستثناء إلغاء القرار الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية) ، فإن إسرائيل ، المستندة دوماً إلى تأييد أميركي أعمى ، لا يُشقّ لها غبار في مجالات التآمر والمناورة والتدليس وانتهاز الفرص الكفيلة بتحقيق مآربها .

رابعاً – فكرة تدويل القدس
اهتمت الأمم المتحدة ، منذ العام 1947 ، بمسالة القدس ومصيرها . ففي هذا العام أصدرت قراراً بتقسيم فلسطين وجعل مدينة القدس كياناً منفصلاً خاضعاً لنظام دولي خاص تحت إدارة المنظمة العالمية .

وجرت محاولات لوضع نظام لتدويل القدس باءت كلها بالفشل ، مع أن إسرائيل أعلنت موافقتها على التدويل في بروتوكول لوزان الذي وُقّع في 12/5/1949 . ولكنها تنصّلت بعد ذلك من تعهّدها . وتبيّن أن موافقتها على التدويل كانت مناورةً أو خدعةً مدروسةً ترمي إلى تأمين انضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة .

والتدويل يرمي إلى إخراج منطقة أو مدينة معينة من نطاق سيادة دولة وإخضاعها لنظام دولي تتولى هيئة دولية صلاحيات الإدارة فيها . والتدويل يُفرض عادةً على الأقاليـم التي تكون موضع أطماع أو منافسات أو خلافات بين عدة دول ، دون أن تتمكن دولة بمفردها من السيطرة عليها .

وطُبّق نظام التدويل في فترات تاريخية مختلفة على بعض المناطق ، مثل مرفأ دانتزج Dantzig (في بولونيا) ، ومقاطعة السّار La Sarre (في ألمانيا) ، ومنطقة طنجة (في المغرب) ، ومنطقة تريستا Trieste (بين إيطاليا ويوغوسلافيا السابقة) . غير أن جميع المناطق التي خضعت للتدويل استعادت ، بعد الحرب العالمية الثانية ، حريتها وعادت إلى حظيرة الدول التي سُلخت منها .

وتدويل القدس لم يتّم . ولعل السبب يعود إلى إصرار إسرائيل على ضم المدينة إلى المناطق الفلسطينية المغتصبة ، والاستفادة من موقعها ومكانتها كمدينة مقدسة لدى الأديان السماوية . ولكن في حال إتمام (أو فرض) التدويل ، فإن ذلك سيعني :
1- إكراه العرب على التخلّي عن حق طبيعي وقومي وتاريخي .
2- اقتطاع قسم كبير من الضفة الغربية ، لأن منطقة القدس تمثّل تقريباً ثلث مساحة الضفة .
3- وضع القدس تحت إدارة دولية برعاية الأمم المتحدة . وهذه الإدارة ستقوم بها حتماً دول لا يُضمر معظمها الخير للعرب .
4- إخضاع القدس المدوّلة لمجلس الوصاية في الأمم المتحدة . وهذا المجلس (الذي أصبح اليوم بلا عمل بعد زوال نظام الوصاية) مكوّن في معظمه من الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن ، وهي دول تتنافس على مرضاة إسرائيل .

خامساً – موقف الولايات المتحدة من القدس
إننا نعيش في عصرٍ يحكمه ويتحكم فيه منطق القوة . وهذا المنطق يرعاه إيمان وحشي بأُلوهية القوة . وعندما يسود منطق القوة في مجتمعٍ ما ، وطنياً كان أم دولياً ، تتوارى المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية ، وتتعطّل نزاهة الشرائع والقرارات ، وتغدو المصلحة والانتهازية وافتراس الحقوق مقياساً لكل إنجاز .

والملف الدولي للقدس هو ، في الحقيقة ، الملف الذي أعدّته بالتواطؤ ، ورعته بالتآمر ، ونفّذته بالدسائس ، الدول الاستعمارية في الغرب التي جيّرت بعد الحرب العالمية الثانية كامل رصيدها الاستعماري للولايات المتحدة .

والحديث عن القدس يرتبط غالباً بموقف الولايات المتحدة من هذه المدينة . والمؤلم أن غالبية الزعامات العربية والإسلامية ما زالت تؤمن بطهريّة الإدارة الأميركية وقدسيّة طويّتها وتضع ، راضيةً أو صاغرةً ، جميع أوراق مصيرها (أو 99% من هذه الأوراق ، كما كان يقول الرئيس المصري الراحل ، أنور السادات) بين يديها ، مع أن السجل الدولي لهذه الإدارة يحفل بأفظع ما ارتكب من جرائم في تاريخ البشرية . ومن كان هذا سجله لا يستطيع أن يكون حكماً أو وسيطاً يؤمن جانبه في أي صراع بين الحق والباطل ، أو بين العدالة والظلم .

وموقف الإدارة الأميركية من القدس كان وما برح يتّسم بمقدار لا يوصف من النفاق والخداع والتدليس ، ويتميّز بقدرة هائلة على التأرجح أو التقلب أو اللفّ والدوران . ويتجلّى ذلك في الأمور الآتية :
1- في العام 1947 ، وفي عهد الرئيس ترومان ، بطل جريمة هيروشيما وناكازاكي ، صدر قرار التقسيم وجعل مدينة القدس كياناً منفصلاً ومستقلاً عن الدولتين العربية واليهودية . وبعد عامين عارض ترومان قرار التقسيم والتدويل لأسباب انتخابية ، أي لكسب أصوات اليهود الذين مارسوا عليه ، كما اعترف في مذكراته ، كل أنواع الضغط لحمله على تسخير مقدرات بلاده من أجل دعم أهدافهم الاستعمارية في فلسطين .
2- في العام 1953 ، نقلت إسرائيل مركز وزارة الخارجية من تل أبيب إلى القدس ، فاعتبر الرئيس أيزنهاور هذه الخطوة عملاً مناقضاً للأعراف والقرارات الدولية . وبعد أقل من عامين قدّم السفير الأميركي ، في عهد أيزنهاور ، أوراق اعتماده في القدس .
3- في العام 1980 ، تحمس الرئيس كارتر واستخدم أسلوب التهديد والوعيد ، معتبراً إقدام إسرائيل على بناء مستعمرات في منطقة القدس عملاً غير مقبول وغير مشروع ، فثار عليه اللوبي اليهودي وأجبره على التراجع المخزي والاعتذار المذل .
4- في عهد الرئيس بوش الأب ، جرت محاولات لتنفيذ قرار التقسيم وقرار إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم ، وكان الغرض من ذلك كسب ودّ العرب قبل شنّه حرب الخليج ضد العراق ، فجوبه بحملة يهودية شعواء أدت إلى حرمانه من تجديد ولايته واستقالة مستشاره الخاص .
5- وفي العام 1995 ، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي بأكثرية ساحقة (93 من 100) على مشروع قرار يُلزم الإدارة الأميركية بنقل سفارتها إلى القدس قبل منتصف العام 1999 ، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل . وبعد ساعات من تصويت مجلس الشيوخ سارع مجلس النواب إلى التصويت على المشروع ذاته وإقراره بأكثرية 374 صوتاً ، ضد 37 . والتفسير البسيط لإقدام الكونجرس على خطوته المهينة للعرب ، من المحيط إلى الخليج ، يكمن في اقتناعه ، بعد التجارب والخبرات ، بأن الرد العربي على الإهانات يكون غالباً بالصمت الرهيب . ولعل ما شجّعه على إتّباع هذا السلوك هو تقبّل الأنظمة العربية ، دون خجلٍ أو حرج ، سخريات القادة الإسرائيليين ، ومنها مثلاً ، ما تفوّه به شمعون بيريز (رئيس الكيان الصهيوني حالياً) في المؤتمر الاقتصادي في عمان ، في العام 1995 ، وأمام الوفود العربية المشاركة ، عندما قال : " إننا نعتبر أن الدول العربية ليس لديها اقتصاد . لديها فقر . ونحن لا نرغب في الهيمنة على الفقر " !

والقرار الأميركي بنقل السفارة إلى القدس ينطوي أيضاً على إهانة تاريخية للعرب واستخفاف بجهودهم ووزنهم وعزائمهم . وقد ظهر ذلك في الأمور الآتية :

أ‌- إصدار القرار في وقتٍ كان فيه ثلاثة من الرؤساء العرب يحتفلون ، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك ، بالعيد الخمسيني لميلاد المنظمة العالمية ، وكان أحدهم رئيس لجنة القدس ، والآخر وصياً على القدس ، والثالث رئيساً للسلطة المعنيّة بالقدس .
ب‌- تضمين القرار تأكيداً بأن القدس " يجب أن تبقى مدينةً غير مقسمة " ، و " أن يُعترف بها كعاصمة لدولة إسرائيل " .
ج- تصريحات الرئيس الأميركي (كلينتون) التي وصفت دولاً عربية وإسلامية بأنها إرهابية .
د- تقديم جائزة للرئيس الأميركي من " منظمة النداء اليهودي الموحد " تقديراً لمساندته الدائمة لإسرائيل .
هـ طرد أحد الرؤساء العرب الثلاثة من حفلة موسيقية أقامها رئيس بلدية نيويورك .
و- خطاب رئيس وزراء العدو (رابين) في الأمم المتحدة وقوله إنه " يأتي من القدس ، العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وقلب الشعب اليهودي " ، وإن " هناك إيديولوجيات كثيرة فشلت واندثـرت ، ولكن النصر كان دائماً حليف الصهيونية " .
 والموقف الأميركي من القدس وإسرائيل لم يتغيـر على مرّ العهود الرئاسية . ولا نبالغ إن قلنا إن هذا الموقـف ازداد ، في السنوات الأخيرة ، تشدداً وشراسةً بفعل اتهام العرب والإسلام بالإرهاب ، وبفعل المساعدات العسكرية الغزيـرة التي أُغدقت على إسرائيل إبان عدوانها على لبنان في صيف العام 2006 ، وعلى قطاع غزة في أواخر العام 2008 ، وبفعل التصريحات الرئاسية المتكررة والجازمة بأن الولايات المتحدة ملزمة مدى الدهر بالحفاظ على أمن إسرائيل ، وبأن بقاء إسرائيل مرتبط ببقاء الولايات المتحدة .

 والخلاصة أن قضية القدس ، محلياً ودولياً ، جزء كامل من كلٍّ متكامل ، وأن تهويد القدس بكاملها مخطط صهيوني قديم يُسهم التخاذل العربي في إنجازه ، وأن زعماء إسرائيل ، على اختلاف مشاربهم ، يؤمنون في أعماقهم بوجوب العمل على إعادة إنشاء " إسرائيل الكبرى " أو مملكة إسرائيل التاريخية " . إلاّ أن إنشاءها لا يمكن أن يتم إلاّ على أنقاض الآخرين . ولهذا كانت الصهيونية على الدوام حركة إلغاء الآخرين . والإلغاء يعني الهدم . والهدم الذي تمارسه الصهيونية في فلسطين يعني طمس المعالم المسيحية والإسلامية . وعندما نعي ضخامة الخطر الذي تمثّله الصهيونية التي لا تختلف في شيء عن العنصرية ندرك أبعاد التحدي الذي يواجه العرب اليوم وغداً .


 

2009-12-23 13:16:52 | 1797 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية