التصنيفات » دراسات

توجهات اللاجئين الفلسطينيين في سورية تجاه الأونروا مع مرور ستين عاماً على عملها


 
طارق حمّود
المدير العام لتجمع العودة الفلسطيني (واجب)

 
 
تمهيد:
    للدخول في تفاصيل توجهات اللاجئين الفلسطينيين في سورية تجاه الأونروا مع مرور ستين عاماً على تأسيس الوكالة الدولية، لا بد من عرض مجموعة من البيانات والمعلومات العامة التي توضح واقع الفلسطينيين في سورية، حتى نستطيع فهم طبيعة هذا التوجه.
وبداية أقول أن هذه الورقة ليست استنتاجات بحثيّة أو أكاديميّة، وإن كانت ستستند إلى بعضها أحياناً، إلا أن أساس الورقة قائم على استطلاع ميداني أجراه تجمع العودة الفلسطيني (واجب) بالتعاون مع مركز العودة الفلسطيني ـ لندن في مخيمات وتجمعات وأماكن عمل الأونروا في سورية بتاريخ 23، و24تشرين الأول (أكتوبر) 2009م حيث شمل الاستطلاع 738 لاجئاً فلسطينياً في مختلف أماكن سكناهم من شمال سورية في حلب حتى جنوبها في درعا، واستند الاستطلاع على مبدأ شمولية العينة المستطلعة فشملت مختلف الشرائح العمرية.
 
 
مقدمة:
مثلت سورية إحدى أهم الدول العربية التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قصراً من قراهم ومدنهم التي دمرتها العصابات الصهيونية وارتكبت في كثيرٍ منها المجازر الشنيعة.
لقد حددت الجغرافيا بشكلٍ طبيعي خط سير اللاجئين الفلسطينيين أثناء النكبة، فمعظم الذين هُجّروا إلى سورية من أبناء الجليل الأعلى في فلسطين، فقد أظهر الاستطلاع  أن 44,7% من لاجئي سورية جاؤوا من مدينة صفد وقضائها، 17% تقريباً من مدينة طبريا وقضائها، و15% تقريباً من مدينة حيفا وقضائها، و10% من مدينة عكا وقضائها، و6% من مدينة الناصرة وقضائها، 7% تقريباً من باقي مدن وقرى فلسطين، وقد شهدت سورية أكثر من موجة تهجير بعد العام 1948م حيث يوجد في سورية ما لا يقل عن 3% من مجموع لاجئيها هُجّروا بعد عام النكبة 1948م.
يناهز عدد الفلسطينيين في سورية 462 ألفاً يتوزعون على 14 مخيماً و7 تجمعات في مختلف أحياء المدن الرئيسية (دمشق، حمص، حماه، حلب، اللاذقية، درعا)، إضافة إلى عدة تجمعات في محافظة القنيطرة. وبضع مئات أو عشرات يتوزعون على باقي المدن الرئيسية في الشمال والشمال الشرقي من سورية، أما أكبر تجمعين للفلسطينيين فهما مدينة دمشق ومخيم اليرموك في دمشق أيضاً، اللذان يضمان أكثر من 55% من مجموع الفلسطينيين في سورية، إضافة إلى ما يقارب 25% في المخيمات القريبة من دمشق (15كم) وهو ما يجعل 75ـ80% من مجموع الفلسطينيين في سورية يتمركزون في إطار مدينة دمشق وضواحيها، ومن أصل المخيمات الأربعة عشر تعترف الأونروا بعشرة مخيمات فقط، حتى أن مخيم اليرموك الذي يضم أكثر من 100 ألف لاجئ لا تعترف به الوكالة باعتباره مخيماً، وكذلك الأمر بالنسبة لمخيمين في الشمال وتجمعات أخرى في محافظتي درعا والقنيطرة رغم أن هذه التجمعات تستفيد من بعض خدمات الأونروا التعليمية والصحية، وتبلغ نسبة صغار السن أي أقل من 15عاماً ما نسبته 37,7% من مجموع السكان، وهو ما يعني استمرار توصيف الفلسطينيين بأنهم شعب فتيّ مع ما يترتب على ذلك من أعباء نتيجة لارتفاع متوسط الإعالة للفرد العامل على الصعد الاجتماعية والتربوية والصحية، وقد أظهر الاستطلاع أن متوسط حجم الأسرة الفلسطينية في سورية هو 5,7 فرد.
كما أن نسبة من تقل دخولهم الشهرية عن 300$ بلغت 58,6% وهي نسبة مرتفعة وأكثر من معدلاتها في الدول المجاورة، بينما لم تتجاوز نسبة من تقارب دخولهم الشهرية بين 750 إلى 1000$ الـ 3%.
تميّز اللاجئون الفلسطينيون في سورية عن غيرهم نسبياً، فواقع الفلسطينيين المعيشي في سورية يختلف عن غيره في مخيمات اللجوء في الدول العربية الأخرى، فلقد استفاد اللاجئون في سورية من التشريعات التي أصدرتها الحكومة السورية والتي نظمت الوجود الفلسطيني في سورية من الناحية القانونية، فالفلسطيني اللاجئ في سورية يساوي المواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات ما عدا حقي الترشح والانتخاب، وهو الأمر الذي سهّل من اندماج اللاجئ الفلسطيني في سوق العمل السوريّة وحفّز اللاجئين الفلسطينيين في مناحي كثيرة منها القدرة على التحصيل الدراسي والأكاديمي، وبذلك مثّل الوضع القائم للاجئ الفلسطيني في سورية الوضع الأمثل للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية.
لقد وصلت معدلات النجاح في المدارس التابعة للأونروا إلى 96% مقارنة مع 63% هي متوسط نسبة النجاح في المدارس الحكومية في سورية، واستطاعت الكفاءات الفلسطينية في سورية أن تجد لنفسها المكان الملائم مع إمكانياتها، وتولت مئات الشخصيات الفلسطينية المناصب العليا على المستوى الحكومي والأكاديمي.
كما أن اللاجئ الفلسطيني عاش في سورية وهو يحمل همّ قضية العودة إلى وطنه الذي هُجّر منه قصراً، وهو لا يزال حتى اليوم يحيي مناسباته الوطنيّة الخاصة بهذه الذكرى سنوياً.
 
الأونروا في سورية:
    بدأت الأونروا عملها في الجمهورية العربية السورية في أواسط العام 1950م وقدمت خدماتها في المجال الصحّي والتعليمي والإغاثي، حيث بلغ عدد المسجلين في سجلات الأونروا    96,6 % من مجموع اللاجئين في سورية.
    وعلى أبواب الذكرى الستين لتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ثمة جدل واسع يطرح حول دور ومستقبل الأونروا، خصوصاً مع الحديث الدائم حول آفاق ومستقبل عملية التسوية السياسيّة التي يرتبط بها مستقبل الأونروا، ورغم أن الأونروا لم تعرّف نفسها سياسيّاً في أيٍ من أدبياتها، واقتصر دورها على الجانب الإغاثي والاجتماعي والتنموي في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، إلا أنها لا تفارق تفكير الفلسطيني السياسي، بل وقد يرتبط في كثيرٍ من الأحيان واقعها بالتطورات السياسيّة الحاصلة، ورغم كل التعريفات التي أنتجتها واعتمدتها الأونروا لطبيعة عملها ومحاولة إبعاد نفسها عن مضامين السياسة، إلا أن هذه الوكالة لم تكن لتنشأ لولا العامل السياسي الذي رسم عنواناً سياسياً عريضاً للقضية الفلسطينية من خلال قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
واليوم ونحن نتحدث عن توجهات اللاجئ الفلسطيني تجاه الأونروا لا بد أن نستحضر الأمثلة من واقعنا الذي نعيشه في مخيمات اللجوء  في سورية كمثال غير حصري، فمع تشديد البعض في رمي السهام للوكالة الدولية وإثارة جدل حول الدور المناط بهذه الوكالة ما بين مشكّك ومؤيّد، لا بدّ لنا أن نفرّق بين الأونروا كمؤسسة دوليّة نشأت خصيصاً بقرار أممي ليكون اللاجئ الفلسطيني تحت رعايتها، وبين تطوّر برامج واستراتيجيّة عمل الأونروا منذ ستين عاماً، فكثير ممن يلقي باللائمة على الأونروا لا يفرّق بين حاجتنا كفلسطينيين لهذه الوكالة في أبعاد القضية سياسياً وقانونياً وإنسانياً، وبين عمل ونوعية برامج الأونروا على الأرض ومدى خدمة هذه البرامج لخيار اللاجئ الفلسطيني الأوحد المتعلق بحق العودة إلى الديار والممتلكات.
 ففي سورية تتميز العلاقة بين الوكالة الدولية مع الحكومة من خلال الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بكثير من الودية والاحترام المتبادل والتعاون والتنسيق على درجة عالية، وقد لا تواجه الأونروا أيّة صعوبات أو تحديات متعلقة بالوضع القانوني في سورية، بل إن الأونروا مستفيدة من كثير من التشريعات السورية فيما يخص الحقوق المدنية للاجئ الفلسطيني الذي يحصل على خدمات كبرى في المخميات من الحكومة بينما يكون دور الأونروا مكمّل لهذه الخدمات ومتمم وهذا بخلاف الوضع في لبنان مثلاً، وهذه العلاقة لا بدّ وأن تعكس حالة غير معقّدة في عمل الأونروا تتيح للاجئ الفلسطيني في سورية الذي يخضع لولاية الوكالة الدولية هامشاً يخدم خياره في العودة، ويعزز من ثقافة انتمائه الوطني.
ورغم وجود حالة من التفوق الدراسي لدى أبناء المدارس التي تتبع الأونروا، إلا أنَّ الأونروا لا تزال تتعامل وفق نظام الفترتين في مدارسها التي تصل إلى 110 مدرسة يعمل بها 1762 مدرّساً ومدرّسة في العام 2006م، وتصل نسبة المدارس التي تعمل بنظام الفترتين إلى 93,6% من مجموع المدارس في عام 2007م، كما أنّ الأونروا لا تتولى رعاية اللاجئ الفلسطيني في مراحل تعليمه الثانوي أو ما بعد الثانوي إلا من خلال معهد واحد يعمل بنظام السنتين، وهو ما تنتقل مسؤوليته إلى كاهل الحكومة.
وفيما يتعلق بالوضع الصحي فالأونروا تقدم خدماتها الصحية من خلال 23 مركزاً صحياً حسب ورقة حقائق معدة في دوائر الأونروا في سورية، كما تقوم الأونروا بالتعاقد مع بعض المشافي الخاصة لإجراء نوعيات معينة من العمليات الجراحية للاجئين الفلسطينيين حيث تتحمل الأونروا نسبة محددة من التكاليف، كما تقدم الدواء مجاناً للأمراض الشائعة، وتشغل الأونروا في هذه المراكز عدداً من الأطباء والاختصاصيين والكوادر الطبية من أبناء اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنه من الواضح أن هناك تراجعاً مطرداً في حجم الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين، فقد ورد مؤخراً وقبل إعداد هذه الورقة بأيام قليلة ـ 16تشرين الثاني (نوفمبر) 2009م ـ تعميماً صادراً عن المدير العام لشؤون الأونروا في سورية (حسب ما نُشر في بيان للجان حق العودة في سورية) يقضي باختصار الإحالة على المشافي على العمليات الجراحية الإسعافية ووقف عمليات (اللُّوَز) الصغيرة، كما ان التعميم يتحدث عن عجز في موازنة الوكالة تقدر بـ300,000$ يقضي بإجراء تقليص للنفقات وهو ما عبّر عنه التعميم بأنه (أمر ملحّ وضروري) اقتضى تجميد عمليات استخدام المساعدين المؤقتين بما فيهم المساعدين المؤقتين المستخدمين على وظائف معلمين، كما أشار التعميم أنه قريباً سيصدر تعميم آخر بخصوص تخفيضات في مجال البرامج، كما أن الأونروا في سورية أوقفت معونات بدل الإيجار للفلسطينيين القادمين من العراق حيث علّلت ذلك بنفاد المبلغ الممنوح لها لهذا الغرض، كما أن سياسة التقشف تسير على أكثر من مساقٍ في عمل الأونروا في سورية، علماً أن سورية هي أقل مناطق عمليات الأونروا كلفةً وإنفاقاً أصلاً.
 
توجهات اللاجئين الفلسطينيين في سورية تجاه عمل الوكالة الدولية (أونروا):
    لقد أظهر الاستطلاع الذي جرى في الفترة المذكورة في مخيمات وتجمعات سورية توجهات اللاجئين الفلسطينيين تجاه الأونروا في سورية حيث طرحت عدة أسئلة محددة على المستطلعة آرائهم، وقبل الولوج إلى التوجهات فقد أظهر الاستطلاع أن أكثر من 70% من اللاجئين في سورية يتلقون خدمات من الأونروا، وقد أظهرت هذه النسبة أنه ليس من الضروري أن كل مسجل يتلقى خدمات من الوكالة، وقد تتعدد أسباب ذلك، وربما يعود السبب الرئيس لعدم تلقي بعض المسجلين للخدمات في ابتعاد الجغرافيا التي يسكنها اللاجئ أحياناً عن منطقة تقديم الخدمات في المخيمات والتجمعات.
توجه اللاجئين إزاء أداء الأونروا:
    لقد اعتبر 67,6% من اللاجئين الفلسطينيين في سورية بأنهم غير راضين عن أداء الأونروا، فيما عبر 26% منهم عن رضاهم عن أداء الوكالة الدولية، ونسبة 6% تقريباً قالت بأنها لا تدري، وهذه النسبة لا شك أنها تشير إلى أن خدمات الأونروا لا تلبي الاحتياج الحقيقي لشريحة واسعة من اللاجئين الفلسطينيين في سورية خصوصاً من ذوي الأسر الكبيرة، فلاحظنا أن سلبيّة الأسرة الكبيرة تجاه الأونروا أكثر منها في الأسرة الصغيرة، وكذلك كان التوجه لذوي الدخل المحدود الذي يقل عن 300$ في الشهر مقارنة بأصحاب الدخول الأكبر، كما أن المتزوجين أعربوا عن سلبيّة تجاه أداء الأونروا أكثر من العازبين، وربما تبدو هذه الأمور في سياقها الطبيعي إذ أن صاحب الحاجة هو من لديه القدرة على تقييم الأداء أكثر من غيره، هذه النسبة وضحت التوجه إزاء أداء الأونروا بشكل عام من حيث الطبيعة والإدارة، وقد يكون هناك مزج بين الأداء والخدمات واعتبارها شيء واحد، ولكن عندما حددنا في استطلاعنا السؤال حول حجم الرضا عن كفاية الخدمات التي تقدمها الأونروا كانت النتيجة أكبر مما كانت عليه الحال في التوجه إزاء أداء الأونروا.
توجه اللاجئين إزاء كفاية خدمات الأونروا:
     فهناك أكثر من 84% من اللاجئين الفلسطينيين في سورية يعتقدون بعدم كفاية خدمات الأونروا، خصوصاً مع حالة التقشف المتبعة بسبب نقص التمويل لدى الوكالة، فيما اعتبر 11% تقريباً أن الخدمات كافية، ولعل مقارنة هذه النسبة بنسبة الرضا عن أداء الأونروا سيتبين لنا فرق في التوجه يعكس فهم جيد لدى اللاجئين يميز ما بين الأونروا كأداء والأونروا كخدمات، وهنا سنلاحظ أن السلبية تتجه طرداً مع ازدياد عدد أفراد الأسرة وتراجع مستوى الدخل وهو شيء طبيعي.
توجه اللاجئين إزاء تقييم الخدمات الصحية:
    تقييم خدمات الأونروا الصحية في سورية من قبل اللاجئين ربما يعكس الاحتياج الأهم لدى اللاجئين الفلسطينيين من حيث الخدمات، فالواقع الصحي هو الأكثر ملامسةً لاحتياجات اللاجئ مقارنةً مع إمكانياته، وقد بدا واضحاً أن هناك نسبة ليست بالقليلة تنظر إلى الخدمات الصحية للأونروا على أنها ضعيفة، فقد لوحظ أن 37% من اللاجئين الفلسطينيين كان لديهم هذا الرأي، فيما اعتبر 48% تقريباً أن الخدمات الصحية مقبولة، ولم يضع خدمات الأونروا الصحية في نطاق الجيدة سوى 10% تقريباً من اللاجئين المستطلعة آراؤهم، وعبر أقل من 1,5% من العينة عن أن خدمات الأونروا الصحية جيدة جداً، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه النسبة تضع الأونروا أمام مسؤوليات جسام، خصوصاً أننا سنكتشف لدى دراستنا للتوجهات في القضايا الأخرى مثل التعليم وغيره أن السلبية تجاه الخدمات الصحية هي الأعلى.
توجه اللاجئين إزاء تقييم الخدمات التعليمية:
    لقد أسلفنا أن الوضع التعليمي في سورية للأونروا يواجه بعض العقبات خصوصاً فيما يتعلق بنظام الفترتين (الدوام الصباحي والمسائي) واكتظاظ الصفوف الطلابية التي تجاوزت خمسين طالباً في الغرفة الدراسية الوحدة وهو ما لا ينطبق على أنظمة التعليم النموذجية سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً، إلا أن ارتفاع نسبة النجاح والتفوق الدراسي عكس نتيجة أقل سلبيّة منها في تقييم الخدمات الصحية، لذلك نرى أن 17%  تقريباً من العينة المستطلعة أشارت إلى أن الخدمات التعليمية التي تقدمها الأونرا ضعيفة فيما أشار 35% تقريباً إلى أنها مقبولة، وأشار أكثر من 29% إلى أن الخدمات التعليمية التي تقدمها الأونروا جيدة، واعتبر أكثر من 8% أن الخدمات التعليمية جيدة جداً، وقال أكثر من 7% أنها ممتازة، وهنا نلاحظ أن التوجه في تقييم الخدمات التعليمية اعتمد على نسبة النجاح وليس على نماذج الخدمات ومستواها، بمعنى أن اللاجئ تعامل مع النتيجة النهائية للخدمات التعليمية، ولهذا ظهرت نسب متفاوتة لكنها أكثر إيجابية تجاه الخدمة التعليمية التي تقدمها الأونروا على الرغم من أن الخدمات تتوقف عند سن معينة وهي سن التعليم الأساسي (حتى الصف التاسع)، وبالرغم أيضاً من عدم وجود خدمات تعليم عالي، ولا شك أن الوضع الحقوقي للاجئ الفلسطيني في سورية وسهولة تحصيله المقعد الجامعي كما المواطن السوري هو ما أفرز هذه الإيجابية في الاستطلاع، فتوفر الخدمة التعليمية (التي لا تغطيها الأونروا) من خلال الحكومة السورية ساعد في سدّ هذا الاحتياج.
توجه اللاجئين إزاء تقييم العمل الإغاثي للأونروا:
    العمل الإغاثي للأونروا في سورية يقتصر على بعض الحالات الطارئة، وقد كان رأي اللاجئين المستطلعة آراؤهم حول تقييم العمل الإغاثي للأونروا في سورية أكثر إيجابية من التوجه في تقييم الخدمات الصحية، وأقل منها في تقييم الخدمات التعليمية فقد أشار نحو 59% إلى أن العمل الإغاثي للأونروا في سورية ضعيف، بينما أشار 24% على أنها مقبولة، ولم يقتنع سوى أقل من 7% تقريباً بأنها جيدة، فيما قال بحدود 9% بأنهم لا يعرفون، وهنا نجد أن نسبة من لا يعرف مرتفعة مقارنة بغيرها من الخدمات، كون جزء مهم من العمل الإغاثي يعمل وفق نظام طوارئ وليس وفق برنامج ثابت ودوري كما في الخدمات الصحية والتعليمية.
توجه اللاجئين إزاء التراجع في خدمات الأونروا:
    المسلمة الوحيدة في عمل الأونروا العام سواء في سورية أو خارج سورية قد تكون التراجع الحاصل في مستوى خدماتها، إلا أن التفاوت يحصل في حجم هذا التراجع وتأثيراته، ولذلك يبدي67% من اللاجئين الفلسطينيين المستطلعة آراؤهم تخوفاً كبيراً من تراجع خدمات الأونروا واعتبرت هذه النسبة أن التراجع كبير في مستوى الخدمات وحجمه، فيما أوضح 21% تقريباً أن التراجع موجود لكنه حاصل بنسبة متوسطة، فيما اعتبر أكثر من 4% أن التراجع حاصل لكن بنسبة قليلة، واعتبر 4% فقط أنه لا يوجد تراجع في حجم ومستوى الخدمات التي تقدمها الأونروا، وهذه النسبة تفضي لنتيجة مفادها أن التراجع حاصل ويشعر به اللاجئ ولكن بنسب متفاوتة، وقد يكون هذا التفاوت ناتج عن حجم استفادة كل شريحة من الخدمات ومستويات هذه الشرائح، فقد لاحظنا أن النسب تتعاكس مع مستويات الدخول الشهرية، بمعنى أنه كلما ارتفعت نسبة الدخل الشهرية بات الإحساس بتراجع الخدمات أقل.
توجّه اللاجئين إزاء استمرار عمل الأونروا:
    ربما يمثل التوجه في هذه النقطة بعداً استراتيجياً في تفكير وتوجه اللاجئين الفلسطينيين إزاء عمل الوكالة الدولية (أونروا)، ويتضح هنا ارتباط الأونروا بشكل وثيق في بعد إحياء قضية اللاجئين وحق العودة وترسيخها في العقل الجمعي الفلسطيني، ولذلك ظهر معنا نسبة 94% تقريباً من الآراء تؤيد استمرار عمل الأونروا رغم التخوفات التي يبديها كثير من اللاجئين من طبيعة البرامج التي تطرحها الأونروا، وقلة اعتبرتها في سياق التوطين، ولهذا فإن النسبة المرتفعة في توجه اللاجئين في هذه النقطة يعكس وعياً فلسطينياً سياسياً قبل أن يكون احتياجيّاً، 3,5% فقط من اللاجئين المستطلعة آراؤهم عبر عن عدم رغبته باستمرار عمل الأونروا، فيما قال أكثر من 2% أنه لا يعرف.
 
نتائج وتوصيات:
بناءً على ما لاحظناه في الورقة من توجهات لدى اللاجئين الفلسطينيين فمن الممكن أن نخرج بعدد من النتائج:
   1- تكمن الحاجة الملحة لدى اللاجئين الفلسطينيين في سورية في الخدمات الصحية وملحقاتها، ولذلك فقد كانت مطالب أكثر من 24% منهم منصبة في تحسين مستوى الخدمات الصحية خصوصاً فيما يتعلق بالأدوية والعمليات الجراحية.
   2- إن الرضا النسبي عن مستوى الخدمات التعليمية للأنروا في سورية نابعة من طبيعة النتائج التي يخرج بها الطلبة، وليس من واقع نوعية الخدمة المقدمة، كما أن جزءاً من الرضا ينبع من إمكانية الحصول على مثيلاتها من خلال المدارس الحكومية وفرص التعليم العالي الحكومي المتاح لدى الفلسطيني اللاجئ في سورية، ومن هنا فإن حاجة توفير نماذج خدمية أفضل في مجال التعليم تبقى حقاً من حقوق اللاجئ يجب العمل على توفيرها، ولذلك ظهرت نسبة تجاوزت 16% تطالب بتحسين مستوى الخدمات التعليمية والثقافية.
   3- أظهر الاستطلاع نسب مرتفعة تدلل على توجه سلبي إزاء العمل الإغاثي للأونروا، وهو ما علّله البعض بسبب غياب الشفافية أحياناً، ولذلك طالب أكثر من 16% بتحسين زيادة التقديمات الاجتماعية والإعاشات والتوزيعات الأخرى، كما طالب 9,5%  بالعمل على القضاء على المحسوبيات إضافةً إلى توفير فرص توظيف جديدة.
   4- هناك توجه عام لدى اللاجئين يدلل على حقيقة التراجع في خدمات الأونروا، إلا أن هذا التوجه متفاوت وتشير الشريحة الأكبر 67% إلى أن التراجع كبير.
   5- يفرق اللاجئون بين أداء الأونروا وما تقدمه من خدمات، ولذلك أشار أكثر من 67% إلى ضعف الأداء، فيما أشار 84% إلى ضعف الخدمات، وطالب بحدود 5% منهم بتحسين الأداء والقضاء على الفساد والمحسوبيات والتعامل بشفافية.
   6- الغالبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين 94% يدركون أهمية الأونروا كشاهد حي على قضيتهم، وهو ما يلقي على الأونروا مسؤولية لعب دور في تعزيز الانتماء الوطني السليم لدى اللاجئ، ووضع قضية حق العودة ضمن برامجها.
   7- تتجه السلبية في توجهات اللاجئين إزاء الأونروا طرداً مع ازدياد حجم الأسرة، وعكساً مع تناقص الدخل الشهري للأسرة.
   8- انصبت كثير من التوصيات لدى اللاجئين حول زيادة الاهتمام بالشرائح العمرية المختلفة وبرامجها من مرأة وشباب وطفل وطلاب.
 
خاتمة:
    مع إعلان الأونروا أنها انتهت من تخزين أكثر 17 مليون وثيقة تخص اللاجئين الفلسطينيين، فإن هذه الوكالة تواجه استحقاقاً ما، وهو أن تلعب دوراً حقوقياً ينحاز لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين بعيداً عن أية تسويات أو برامج توطينية، كما أنّ الدور المناط بالوكالة ينبغي أن لا يبقى عرضةً لابتزاز الدول المانحة، وعلى الجميع حكومات ومؤسسات وهيئات ومنظمات دولية أن تطالب بزيادة تمويل هذه الوكالة مع الحفاظ على استقلاليتها التامة بعيداً عن التجاذبات السياسيّة الإقليميّة أو الدوليّة.
 

2010-02-10 02:41:21 | 1769 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية