التصنيفات » دراسات

الرؤية "الإسرائيلية" لآلية نزع السلاح الفلسطيني




منع بروز التهديدات العسكرية والأمنية من و/أو
عبر الأراضي الفلسطينية

30 أيار 2010



– فهـرس المحتـويـات –

الملخص التنفيذي ............................................................................... 2
1. التحديات والتهديدات الأمنية من الأراضي الفلسطينية ........................................ 3
2. نقاط الاتفاق والخلاف الواضحة في المفاوضات ............................................. 6
3. المبادئ التي يستند إليها موقف إسرائيل من نزع السلاح .................................... 7
4. تطبيق مفهوم نزع السلاح .................................................................. 9
5. الترتيبات الأمنية ............................................................................  11
6. الإطار الزمني لتطوّر المسؤوليات الأمنية الفلسطينية ........................................ 14
7. الخلاصة .................................................................................... 16



بطـاقـة التـعـريـف بالـتـرجـمـة
العنوان الأصلي نزع السلاح: منع بروز تهديدات عسكرية وإرهابية من الداخل وانطلاقاً من الأراضي الفلسطينية
المؤلف الجنرال المتقاعد أودي ديكيل، رئيس وحدة المفاوضات مع الفلسطينيين عام 2008، وخدم قبل ذلك رئيساً لقسم التخطيط الاستراتيجي في جيش الاحتلال.
جهة الإصدار  نشرة رؤى استراتيجية، مركز القدس للشؤون العامة - القدس المحتلة
تاريخ الإصدار  25 أيار 2010
عدد الصفحات  17 صفحة
جهة إصدار الترجمة  مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية
تاريخ إصدار الترجمة 30 أيار 2010
 
الرؤية "الإسرائيلية" لآلية نزع السلاح الفلسطيني

الملخص التنفيذي
• يرجع المطلب الإسرائيلي بنزع سلاح الكيان الفلسطيني من الناحية الفعلية إلى إعلان المبادئ في سنة 1993 والذي كان بمثابة الأساس لعملية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية. فمن غير المعقول أن تقبل إسرائيل بأي اتفاق ينطوي على زيادة الوضع الأمني سوءاً أو يعرّض مواطنيها لخطر دائم. كما أنها لا تستطيع تحمل العيش إلى جانب كيان يهيئ بنيته التحتية "الإرهابية" ويؤوي قوات عسكرية معادية.
• حالت ’عملية الحرّية‘ العسكرية الحالية التي تقوم بها إسرائيل إلى الآن بالضفة الغربية، والتي تتيح للجيش الإسرائيلي الوصول إلى أي مكان تصنَّع الأسلحة المحظورة أو تخبّأ فيه، دون تمكن "الإرهابيين" من صنع الصواريخ وإطلاقها على القدس وعلى تل أبيب. كما مكّنت الجيش الإسرائيلي من اعتراض منفذي العمليات الانتحارية قبل تمكّنهم من تنفيذ مهماتهم الخبيثة.
• يمكن أن تتوقع إسرائيل سيناريوهين محتملَين رئيسيَّين قد يتبلورا غداة إقامة دولة فلسطينية. يتضمن الأول تهديدات لإسرائيل ناشئة عن دولة فلسطينية فاشلة تؤدي دور القاعدة للبُنى التحتية "الإرهابية" كما حصل في غزّة. ويتضمن الثاني بروز تهديدات لإسرائيل من الشرق عبر الأراضي الفلسطينية.
• رفض قادةُ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية حتى الساعة الموافقة على تعريف لدولة فلسطينية تكون منزوعة السلاح. وهم يدعون حق امتلاك مدفعية (مورتر) وصورايخ مضادّة للدبابات ومركبات مدرَّعة مجهَّزة بمدافع رشاشة، فضلاً عن جملة من المعدات الأخرى، لكي تمتلك القوة الأمنية المهيمنة في الأراضي، مع تمتعها بالقدرة على حماية الحكومة المركزية وحدود الدولة الفلسطينية.
• سعى الرئيس بيل كلينتون في قمة كامب دافيد التي عقدها في سنة 2000 إلى تليين عبارة "نزع السلاح" مستخدماً عبارة جديدة غير معترَف بها في القانون الدولي وهي "عدم التسلّح"، لكنّ الجانب الفلسطيني لم يوافق على هذه العبارة أيضاً.
• ينصّ تعريف إسرائيل لعبارة "نزع السلاح" على عدم بروز أي تهديد أمني، سواء أكان متكافئاً أم غير متكافئ، عسكرياً أم "إرهابياً"، داخل الأراضي الفلسطينية أو عبرها، وعلى أنه لن يصار إلى تشكيل جيش فلسطيني أو امتلاك قدرات عسكرية يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل. بناء على ذلك، ستزداد المطالب الإسرائيلية بالتوصل إلى اتفاقات أمنية أكثر فاعلية مع نقل مزيد من الأراضي إلى الجانب الفلسطيني.


1. التحديات والتهديدات الأمنية من الأراضي الفلسطينية
خلفية
يرجع المطلب الإسرائيلي بنزع سلاح الكيان الفلسطيني من الناحية الفعلية إلى إعلان المبادئ في سنة 1993 والذي كان بمثابة الأساس لعملية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية. لكنّ الشائع إساءة فهم عبارة "نزع السلاح"، وهي لا تغطي بشمولية المجموعة الكاملة من المطالب الأمنية الإسرائيلية. تتضمن هذه المطالب الحيلولة دون نشوء تهديدات عسكرية متكافئة وغير متكافئة لإسرائيل، منها "الإرهاب" والحرب الفدائية، انطلاقاً من أراضي السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المستقبلية وعبرها. لذلك، فالمراد من نزع السلاح صون أمن إسرائيل لا أن يكون غاية في حدّ ذاته.
لا يمكن توقع دعم الشعب الإسرائيلي لاتفاق ينتج عنه زيادة الخطر الأمني على جبهته الداخلية. لقد اختارت إسرائيل مسار السلام لأسباب عديدة، مكنها تأمين السلم والهدوء والاستقرار والازدهار لمواطنيها. من غير المعقول إذن أن تقبل إسرائيل بأي اتفاق ينطوي على زيادة الوضع الأمني سوءاً، وهي لن تقبل بالتأكيد باتفاق يعرّض مواطنيها لخطر دائم ويعرقل حياتهم اليومية. كما أنه لا يمكنها تحمل العيش إلى جانب كيان يهيئ بنيته التحتية "الإرهابية" ويؤوي قوات عسكرية معادية.
التحديات الأمنية
باستشراف المستقبل، يمكن أن تتوقع إسرائيل سيناريوهين محتملَين رئيسيَّين يمكن أن يتبلورا غداة إقامة دولة فلسطينية، على ضوء الاتجاهات السائدة في الشرق الأوسط:
• يشمل السيناريو الأول تهديدات لإسرائيل نابعة من داخل الدولة الفلسطينية. وبحسب هذا السيناريو، تكون الدولةُ التي هي قيد التكوين دولةً فاشلة وقاعدةً مناسبة لإقامة بُنى تحتية "للإرهاب" وتطويرها، وهي تجمع بين القدرات العسكرية المتكافئة وغير المتكافئة، على غرار ما حصل في قطاع غزّة.
يشكل هذا الوضع تحدياً دائماً ومستمرّاً لإسرائيل التي ستتعرّض لهجمات متواترة على يد فِرق "إرهابية" تخترق الحدود، أو لإطلاق قذائف وصواريخ على المناطق الداخلية. سيؤدي ذلك إلى اندلاع مواجهات متكررة بشدة متفاوتة، مما يجعل متابعة الإسرائيليين حياتهم اليومية أمراً فائق الصعوبة ويعيق تطبيق اتفاقات السلام بدرجة كبيرة.
• يشتمل السيناريو الثاني الأخطار التي تهدد إسرائيل من الجهة الشرقية عبر الأراضي الفلسطينية. وهذا السيناريو أوسع من السيناريو الأول لأنه يشمل المنطقة بأسرها.

إن الجنوح إلى الراديكالية في الشرق الأوسط يعدّ واحداً من الاتجاهات المثيرة للقلق. وإيران التي توشك أن تملك قدرات نووية سوف تستغل مكانتها قوة نووية في ما تخدم كمظلة للجماعات الراديكالية التي تستخدمها كوكلاء لها في تحقيق طموحاتها والتحوّل إلى قوة إقليمية مهيمنة. ولكي تنجز إيران ذلك، ربما تحاول السيطرة على العراق، من خلال الأغلبية الشيعية فيه، عقب انسحاب القوات الأميركية منه. وعلى الأرجح أن يؤدي تشكّل محور شيعي راديكالي بقيادة إيران ويضم العراق وسوريا ولبنان إلى الإخلال باستقرار الأردن، مما يشكل تحدياً للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشرقية. يمكن أن يأخذ هذا التحدي شكل هجمات جوّية، وصاروخية، ونشر قوات عسكرية و/أو شبه عسكرية، و/أو استخدام وكلاء، عبر الأراضي الفلسطينية. (وهذا ما يرجَّح أن يحصل إذا استولت حماس على أراضي الدولة الفلسطينية). في هذا السيناريو، سترغَم إسرائيل على مواجهة هجمات متواصلة، وستجد صعوبة بالغة في توفير بيئة آمنة لمواطنيها.
تنبع القدرة على توقع العقبات المستقبلية من التجارب السابقة بدرجة كبيرة. لا ريب أن إسرائيل تعلمت الكثير من الأحداث التي وقعت على الأرض منذ أن وقّعت حكومتُها ومنظمة التحرير الفلسطينية على إعلان المبادئ في سنة 1993، وهو الإعلان الذي أطلق العملية السلمية. وهذه نظرة عامة على هذه الدروس:
• فشلت منظمة التحرير في منع "الإرهابيين" من تصنيع الأسلحة وتهريبها إلى الأراضي الفلسطينية خلال السنين التي كان يُفترض أن تطبَّق اتفاقيات أوسلو والاتفاقية المؤقتة فيها. حتى إنها أمدّت نفسها (بواسطة التصنيع المحلي والتهريب) بأسلحة تحظرها تلك الاتفاقات. في الواقع، استغلّ عرفات الفرصة من يوم دخوله غزّة للمرة الأولى لتهريب مثل هذه الأسلحة من مصر، بالإضافة إلى تستّره على الناشطين "الإرهابيين"، مستعيناً ببطانته.
• مع أن الاتفاقات السابقة اشترطت السماح للفلسطينيين بتجنيد قوات أمن داخلي فقط مثل الشرطة بدون أن تملك صفات الجيوش في أي صورة كانت، أضْفت منظمةُ التحرير الفلسطينية صبغة عسكرية على جهازها الأمني الوطني (مثل الهيكل التنظيمي، والوظائف العملانية، وأسماء الوحدات، والرتب، وما إلى ذلك)، ووسّعت مهماته بما يخرج عن إطار ما اتُّفق عليه من قبل. كما أقامت حماس أيضاً عقب استيلائها على غزّة أطر عمل عسكرية جهاراً، فشكلت ألوية إقليمية مزودة بأسلحة تماثل أسلحة الجيوش وتعمل ضمن إطار الجناح العسكري للحركة.
• أكدت الهجمةُ "الإرهابية" الضارية التي شنّها الفلسطينيون على المواطنين الإسرائيليين الأبرياء في خريف سنة 2000 (في ما عُرف بانتفاضة الأقصى) المطلب الإسرائيلي بمنع تطوير قدرات عسكرية و"إرهابية" في المنطقة التي تسيطر عليها منظمة التحرير، وفي الدولة الفلسطينية المستقبلية.
• سعت المنظمات "الإرهابية" وقوات الأمن التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية طوال السنين التي أعقبت التوقيع على الاتفاقات لتهريب الأسلحة واستقدام خبرات في التصنيع العسكري من مصر إلى غزّة عبر ممرّ فيلادلفي، ومن غزّة إلى الضفة الغربية (حتى إنها قامت بذلك عبر استخدام الفلسطينيين الذين يتوجهون إلى إسرائيل لتلقي العلاج الطبي). بيد أن السيطرة الإسرائيلية على المعابر وعمليات التفتيش الدقيقة التي تجريها هناك هي التي حالت دون تدفق تلك الأسلحة من غزّة إلى الضفة الغربية.
• حالت ’عملية الحرّية‘ العسكرية الحالية التي تقوم بها إسرائيل بالضفة الغربية، والتي تتيح للجيش الإسرائيلي الوصول إلى أي مكان تصنَّع أو تخبّأ فيها الأسلحة المحظورة، إلى الآن دون تمكن "الإرهابيين" من صنع الصواريخ وإطلاقها على القدس وعلى تل أبيب. كما مكّنت الجيش الإسرائيلي من اعتراض منفذي العمليات الانتحارية قبل تمكنهم من تنفيذ مهماتهم الخبيثة.
مواجهة التهديدات "الإرهابية" والعسكرية
يبرز الخطر عندما تقترن النوايا العدائية بالقدرات العدوانية. وبعد سنين عديدة من مواجهة "الإرهاب"، استخلصت إسرائيل عبرة مهمة وهي أن تغيير تلك النوايا العدائية مستحيل فعلياً، وأنه يتعين بالتالي تحييد القدرات العدوانية. لذلك تبنّت إسرائيل مقاربة بذل جهود بلا هوادة لتفكيك البُنى التحتية "للإرهاب" داخل حدود الدولة وعلى امتدادها. وهذا المسعى يستلزم معلومات استخبارية دقيقة وفائقة الجودة وحرّية كاملة في التصرّف تتضمن القدرة على دخول المراكز السكانية الفلسطينية في المدن والقرى لتحديد أماكن المختبرات التي تنتج القنابل وورش الخراطة التي تُستخدم في صناعة الصواريخ والمعدات الأخرى والأسلحة ومخازن الذخيرة وتدميرها، واعتقال المذنبين واعتراض منفذي الهجمات الانتحارية قبل تنفيذهم هجماتهم الانتحارية على المدنيين الإسرائيليين الأبرياء وأثناء تنفيذها. وهذا هو الوضع المناظر لما يسمى التهديدات "الغير متكافئة" الصادرة عن الجماعات "الإرهابية".
وفي ما يتعلق بالتهديدات "المتكافئة" التي تشمل قوات عسكرية نظامية، لا يمكن أن تتجاهل إسرائيل الأحداث السابقة التي وقعت في المنطقة. وهي تتضمن محاولات من جانب الجيشين السوري والعراقي للسيطرة على الأردن واستخدامه كنقطة انطلاق للهجوم على إسرائيل حتى بدون رضى المملكة الهاشمية. إن خطر بروز محور شيعي راديكالي بدءاً بإيران ومروراً بالعراق وسوريا وانتهاءً بلبنان، وإمكانية توحيد القوات، مرشح لأن يتحول إلى تهديد عسكري واقعي من جهة الشرق، في ما يسعى لاستخدام الأراضي الفلسطينية في الوصول إلى الجبهة الداخلية لإسرائيل.
لذلك، يتعين أن يشكل أي اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين ضمانة بأن الدولة الفلسطينية لن تسمح بنشوء كيان "إرهابي" يملك قدرات عسكرية متكافئة وغير متكافئة ويستطيع مهاجمة إسرائيل في أي وقت. كما ينبغي ألاّ يسمح بالقيام بأي نشاط "إرهابي" و/أو نشر قوات عسكرية أجنبية هناك بغرض مهاجمة إسرائيل. وليس أقل من ذلك أهمية مطالبة الفلسطينيين بعدم تطوير قدرات عسكرية ذات شأن تحت إشراف طرف ثالث، أو في بلده، وعدم التوقيع على أية معاهدات عسكرية أو استراتيجية مع أعداء إسرائيل أو مع الكيانات التي لا تعترف بوجودها.

2. نقاط الاتفاق والخلاف الواضحة في المفاوضات
تم التوصل إلى تفاهمات على مرّ السنين حول الغاية من قوات الأمن الفلسطينية وفقاً لتصوّر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والذي يُختصر بعبارة "سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد". وهذه القوات مكلَّفة بمسؤوليات حفظ الأمن الداخلي ومنها فرض النظام والقانون ومنع "الإرهاب" والعنف وتفكيك البُنى التحتية "للإرهاب" ونزع أسلحة الجماعات المسلّحة وضبط الحدود للحيلولة دون تهريب الأسلحة وتسلل "الإرهابيين".
على أنه بالنظر إلى التحدي الأمني الذي تواجهه إسرائيل بسبب هذه القوات، رفض قادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية إلى الآن الموافقة على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وأثناء المناقشات، ذكر ممثلو السلطة الفلسطينية أنهم سيوافقون على امتلاك "أسلحة محدودة". وعلى سبيل المثال، وافقوا على عدم حيازة طائرات حربية أو دبابات (تُعرف في المفهوم العسكري بالأسلحة الثقيلة). لكنّ السلطة لا تزال تدعي حق حيازة مدافع المورتر والصواريخ المضادّة للدبابات (آر بي جي) والمركبات المدرّعة المزودة بأسلحة رشاشة، بالإضافة إلى معدات أخرى.
تذرّع الفلسطينيون بحاجتهم إلى هذه الأسلحة ليكونوا القوة الأمنية المهيمنة على أراضيهم وليملكوا القدرة على حماية الحكومة المركزية. وأشاروا أيضاً إلى حقهم كدولة ذات سيادة في امتلاك قوة عسكرية للدفاع عن النفس على الأقل ودرء الأخطار الخارجية عن الحدود وتفكيك الميليشيات المسلّحة التي تشكل تهديداً داخلياً.
وفي ذات السياق، سعى الرئيس بيل كلينتون في قمة كامب دافيد التي عقدها سنة 2000 بغرض تحديد أطر اتفاق على وضع دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، إلى تليين عبارة "نزع السلاح" مستخدماً عبارة جديدة غير معترَف بها في القانون الدولي وهي "عدم التسلّح"، لكنّ الجانب الفلسطيني لم يوافق على هذه العبارة أيضاً.
يعتبر تحديد مدى محدودية الدولة الفلسطينية من حيث قدراتها العسكرية إحدى القضايا الجوهرية التي وجد الطرفان صعوبة في تضييق خلافاتهما حولها. كما يوجد نقاط اختلاف أساسية أخرى مرتبطة بالأمن منها:
• التوصل إلى اتفاقات أمنية خاصة بوادي الأردن (تشمل طريق ألون وتقف عنده) لمنع تهريب الأسلحة وتسلل "الإرهابيين" (على غرار ما حصل عند معبر فيلادلفي على الحدود بين مصر وغزّة)؛ وتوفير ضمانات لإتاحة ردّ عملاني إسرائيلي على تهديد عسكري مصدره الشرق لإيقاف أية قوة تعبر نهر الأردن وتدخل الدولة الفلسطينية قبل أن تصل إلى سلسلة الجبال الوسطى بالضفة الغربية وإلى العاصمة الإسرائيلية القدس.
• مجال جوي موحَّد يخضع لسيطرة إسرائيل لمنع "الإرهاب" الجوّي والحيلولة دون شنّ هجمات عسكرية جوّية على إسرائيل.
• السيطرة على البحر قبالة شاطئ قطاع غزّة، بما في ذلك ميناء غزّة، عندما بُني، لمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع ومنع تنفيذ هجمات على إسرائيل من جهة البحر.

3. المبادئ التي يستند إليها موقف إسرائيل من نزع السلاح
ترى إسرائيل أن عبارة "نزع السلاح" تشمل تعريفاً أعمّ من التعريف المتعارف عليه أو الذي ينصّ عليه القانون الدولي، بما أن العبارة الشائعة لا تأخذ في الحسبان الطبيعة المتغيرة للصراعات والتهديدات العسكرية. وبحسب التعريف الإسرائيلي، نزع السلاح وسيلة للوصول إلى غاية، وهي وجوب عدم تبلور أي تهديد أمني، سواء أكان متكافئاً أم غير متكافئ أم عسكرياً أم "إرهابياً" أو بروز أية عرقلة أخرى للحياة اليومية في إسرائيل، أو تطورها إما داخل الأراضي الفلسطينية أو عبرها.
البُعد العسكري
إن نزع السلاح يعني في نظر إسرائيل عدم تشكيل جيش أو قدرات عسكرية فلسطينية يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل. وهذه قضايا يلزم أن تتحقق لضمان تطبيق مفهوم نزع السلاح:
• تبنّي أطر عمل للشرطة والأمن الداخلي لا تبنّي أطر عسكرية أو أطر لها خصائص عسكرية واضحة.
• حيازة الأسلحة التي نصت الاتفاقات على جواز حيازتها، بغرض حفظ الأمن الداخلي وفرض النظام فقط.
• عدم تشكيل تحالفات أو إبرام اتفاقات تعاون عسكري بين قوات الأمن الفلسطينية وجيوش أجنبية. وهذا يتضمن منع أي تواجد عسكري أجنبي أو أية جماعة مسلّحة أخرى على أراضي دولة فلسطين.
• تعهد بعدم إبقاء أية قوات عسكرية تابعة للدولة الفلسطينية خارج حدودها، لأن هذه القوات تملك القدرة على العمل ضدّ إسرائيل في أوقات الطوارئ وفي الأوضاع غير المتوقعة الأخرى.
• عدم وجود بُنى تحتية عسكرية، مثل الصناعات الدفاعية، والإشراف على صناعة المكونات ذات الاستخدام المزدوج والتي يُفترض أنها غير مخصصة للاستخدامات العسكرية.
• المراقبة والإشراف والتدقيق والتحقق الفاعل للمحيط الأمني على امتداد الحدود وعلى المعابر الحدودية الدولية لمنع تهريب الأسلحة المحظورة والموادّ ذات الاستخدام المزدوج.
• استحداث جهاز فاعل للإشراف والتحقق قوامه مراقبون دوليون مهمتهم ضمان التزام الجانب الفلسطيني بالتزاماته الخاصة بنزع السلاح.
البُعد "الإرهابي"
لا يمكن السماح بتبلور أي تهديد من جانب الدولة الفلسطينية و/أو عبر أراضيها أو استفحاله، وواجب الدولة الفلسطينية الأول والأهم هو منع النشاطات "الإرهابية" ومنع إقامة بُنى تحتية "للإرهاب" داخل حدودها. وهذه البنود اللازمة لضمان ذلك:
• يتعين على الشرطة وعلى القوى الأمنية الفلسطينية الأخرى الانخراط في عملية بناء قوات الأمن "من الأسفل إلى الأعلى". وهذا يتضمن ضمان الأمن الداخلي، مثل فرض القانون والنظام، ومنع "الإرهاب"، وتفكيك البُنى التحتية "للإرهاب"، وتفكيك الميليشيات المسلّحة ومنع تهريب الأسلحة وتسلل "الإرهابيين".
• منع التدخلات المسلّحة أو الإيديولوجية من جانب المتطرفين الراديكاليين ومعارضي السلام في الأعمال السليمة التي تقوم بها الدولة الفلسطينية، لا سيما منعهم من تحريض المتطرفين والمنظمات "الإرهابية" والجماعات المسلّحة، فضلاً عن المحاولات التي تبذلها لإعاقة نشاطات الحكومة الفلسطينية وهيكليتها وقدرتها على الحكم.
• منع التشجيع على "الإرهاب"، وبناء "ثقافة سلام". وهذا يستوجب تشكيل هياكل مشتركة لمنع التحريض في وسائل الإعلام والتلقين المذهبي في المؤسسات العامة الأخرى، مثل تحييد كافة القنوات التي تدعم المنظمات "الإرهابية" (مثل تحويل الأموال والنشاطات التي تقوم بها جمعيات تحظى بتمويل من المتطرفين تحت غطاء منظمات تساعد المحتاجين)، وإلغاء البرامج التعليمية المدرسية التي تشجع على العنف والشهادة والانتحار. وهذا سيقتضي أيضاً التزاماً من الجانب الفلسطيني بمنع إلقاء الخطب العدائية في المساجد وفي المؤسسات الدينية والثقافية الأخرى.
• يتعين إقامة تعاون بين إسرائيل وقوات الأمن الفلسطينية في ميادين الاستخبارات والعمليات العسكرية لعرقلة النشاطات "الإرهابية" ومنع إقامة بُنى تحتية "إرهابية" داخل الدولة الفلسطينية.
• يتعين تشكل جهاز للإشراف والتحقق وتكليفه بمراقبة الجانب الفلسطيني وضمان التزامه بمنع "الإرهاب" ومنع إقامة بُنى تحتية "إرهابية". يمكن إشراك مراقبين دوليين في هذا الجهد لمساعدة قوات الأمن الفلسطينية على بناء القدرات الأمنية الداخلية اللازمة، وحتى مراقبة قوات الأمن الفلسطينية أثناء تنفيذ العمليات في الميدان.

4. تطبيق مفهوم نزع السلاح
تقتضي المقاربة الرامية إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في منع تشكل أخطار تهدد إسرائيل من جانب الدولة الفلسطينية عدداً من "دورات الأداء"، ونعني بذلك أداء قوات الأمن الفلسطينية.
تتضمن الدورة الأولى اتفاقات نزع السلاح والاتفاقات الأمنية التي تحدّ من قدرة الدولة الفلسطينية على تشكيل جيش وتحدّ من الأسلحة التي يُسمح لقوات الأمن الفلسطينية بحيازتها. هنا يأخذ مفهوم نزع السلاح تعريفاً أوسع فيشمل منع "الإرهاب" ومنع إقامة بُنى تحتية "للإرهاب" في الدولة الفلسطينية. كما يتعين ألاّ تؤدي هذه الاتفاقات الأمنية إلى إعاقة قدرات الدفاع عن النفس الإسرائيلية والردّ على التهديدات المحتملة التي تشكلها الدولة الفلسطينية أو الناشئة عنها.
وتتضمن الدورة الثانية تنفيذ الاتفاقات التي تعتمد على مشاركة المراقبين الدوليين، والأفضل أن يعملوا تحت قيادة أميركية، وستضمن وتتأكد من تنفيذ كافة بنود الاتفاقات الأمنية مع تقديم المساعدة في الوقت نفسه لقوات الأمن الفلسطينية في تنفيذ المهمات المتعلقة بالأمن الداخلي ومنع "الإرهاب" وتفكيك البُنى "الإرهابية". وينبغي ألاّ يؤدي استخدام مراقبين بحال من الأحوال إلى الحد من قدرات الدفاع عن النفس الإسرائيلية بواسطة الجيش الإسرائيلي.
وتتضمن الدورة الثالثة تقديم ضمانات ووسائل دعم لتنفيذ الاتفاقات. الغاية من الضمانات الدولية والعربية والأجهزة ووسائل الدعم هي ضمان أن تكون كلفة عدم التزام الفلسطينيين بالتزاماتهم أكبر مما سيجنونه من الإخلال بها.
وبمرور الوقت يصار إلى خفض مستوى تدخل الترتيبات الأمنية وكثافتها في الجانب الفلسطيني بناء على أدائه. وهناك هامش لتجزئة تنفيذ الاتفاقات وبالتالي التقليل من بروز النشاط الأمني الإسرائيلي وبالتالي خفض تواجد الجيش الإسرائيلي في أراضي الدولة الفلسطينية.
يمكن تنفيذ هذه المقاربة على الوجه التالي:
ستناط المسؤولية عن منع بروز وتشكل تهديدات لإسرائيل بالدولة الفلسطينية في دورة الأداء الأولى وفقاً لإطار العمل التالي:
واجبات الدولة الفلسطينية
 ستوضَع قيود على الأسلحة التي تتسلمها الشرطة وقوات الأمن في الدولة الفلسطينية وقيودعلى استخدامها.
 الانخراط في عملية بناء الأمن "من الأسفل إلى الأعلى" بحيث توسّع مفهوم "قوات دايتون" الأميركي الحالي وقوات الأمن الداخلي التي تتلقى تدريباً غربياً. ويتعين على هذه القوات امتلاك مزيد من القدرة على محاربة "الإرهاب" ومنعه بفاعلية وتفكيك البُنى التحتية "للإرهاب" ومنع نشاطات دعم "الإرهاب" بدون مساعدة الجيش الإسرائيلي الحالية والذي لا يزال يتحمل المسؤولية عن جلّ عمليات مكافحة "الإرهاب" في الضفة الغربية. وسيتم تصميم القوات وهيكلية الوحدات لتنفيذ مهمات حفظ النظام والأمن الداخلي لا لتكون قوات عسكرية تتولى مهمات عسكرية.
 بناء "ثقافة سلام" بفرض حظر على تعليم الأطفال في المدارس الصراعَ المسلّح والانتحار، والتشجيع على الصراع المسلّح في المساجد وأشكال التحريض الأخرى التي تستهدف إسرائيل من داخل الدولة الفلسطينية.

5. الترتيبات الأمنية
مجال جوّي موحَّد خاضع للسيطرة الإسرائيلية
ينبغي أن يخضع مجال جوي موحّد لسيطرة إسرائيل بدرجة كبيرة لمنع النشاطات الجوّية والعسكرية و"الإرهابية" المعادية من الوصول إلى أجواء الدولة الفلسطينية أو تنفيذها في سمائها واستهداف إسرائيل. وعلى ضوء الوقت والموارد الجوّية المحدودة، يستحيل تقسيم المجال الجوي فوق إسرائيل والضفة الغربية ذلك أن عرضه لا يزيد عن 60 كلم تقريباً. يتطلب هذا المجال الموحّد سيطرة مُحكمة مع تحمل إسرائيل المسؤولية العظمى لسهولة انكشافها أمام التهديدات العسكرية المحتملة ولحاجتها إلى تحديد الطائرات المجهولة الهوية والمعادية واعتراضها قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية. وسيصار إلى بناء جهاز ضمن هذا الإطار للتعاون في مجال الطيران المدني.
ترتيبات أمنية خاصة في وادي الأردن
ينبغي وضع ترتيبات أمنية خاصة بوادي الأردن لمنع "الإرهاب" ومنع تهريب أسلحة محظورة ومنع تسلل "الإرهابيين" من خلال المعابر وكامل الشريط الحدودي.
في مواجهة تهديد عسكري محتمل من الجبهة الشرقية، يتعين على إسرائيل امتلاك القدرة على منع الجيوش الأجنبية من عبور نهر الأردن ودخول الدولة الفلسطينية، ومنع أي جيش أجنبي من الاستيلاء على المنطقة الواقعة على المنحدرات الشرقية لسلسلة الجبال الوسطى. والبديل المفضّل هو السيطرة الإسرائيلية، بما في ذلك نشر القوات ووسائل المراقبة وجمع المعلومات في وادي الأردن.
إن تبنّي الاقتراحات بشأن نشر قوات دولية يشكل خطراً على دولة إسرائيل. (إن المعالجة الشاملة لمسألة القوات الدولية في اتفاقية سلام إسرائيلية فلسطينية خارجة عن نطاق هذه الدراسة. لكن علينا أن نشير إلى أن التجارب السابقة التي خاضتها إسرائيل مع القوات الدولية التي كُلفت بمنع تهريب الأسلحة كانت مخيبة للآمال إلى حدّ بعيد، كما في حالة قوات اليونيفيل بجنوب لبنان). كما أن الخيار الثاني المتمثل في سيطرة قوات إسرائيلية ودولية مشتركة على وادي الأردن والتنسيق مع الفلسطينيين والأردنيين يشكل مخاطر أمنية على إسرائيل أيضاً. ستخدم القوات الدولية في هذا السيناريو "كسلك متفجر" إذا هوجمت من قبل قوات تحاول عبور نهر الأردن من جهة الشرق. على أنه في حال فشلت القواتُ الدولية، يحقّ للجيش الإسرائيلي التحرّك ضدّ التهديدات الإقليمية. وبالنظر إلى هذه البدائل، يتبين نشر قوة إسرائيلية كما أسلفنا هو أفضل خيار يمكن التعويل عليه في الدفاع عن وادي الأردن.
متطلبات أمنية إسرائيلية إضافية
 منع وقوع هجمات تستهدف حركة الطيران المدني الدولي في مطار بن غوريون، ومنع اعتراض الطائرات الإسرائيلية أثناء إقلاعها وهبوطها بواسطة صواريخ مضادّة للطائرات تُطلَق من الأراضي الفلسطينية.
 مراقبة البحر من قبل إسرائيل أو من قبل قوة خاصة بحرية دولية واحتجاز القوارب المريبة ومنع النشاطات المعادية و"الإرهابية" ومنع تهريب الأسلحة والموادّ المحظورة إلى الدولة الفلسطينية من قبل البحر. وفي حال بناء ميناء بحري في غزّة، سيتم وضع آلية رقابية وتدقيقية فاعلة لمنع تهريب الأسلحة. والسبيل الوحيدة لتفتيش البضائع والمستوعبات المفرّغة من السفن هي بناء الميناء في البحر لا على الشاطئ وإدارته من قبل طرف ثالث يناسب هذه المهمة.
 التنسيق الكهرومغناطيسي لمنع التداخل والتشويش على الاتصالات العسكرية والمدنية واللاسلكية الإسرائيلية. ستكون الدولة الفلسطينية المستقبلية واقعة من الناحية الطوبوغرافية في منطقة تهيمن على الجبهة الداخلية المدنية والاستراتيجية الإسرائيلية، وهو وضع يسمح بعرقلة نشاطات الاتصال اللاسلكي. لذلك، ينبغي إيجاد آلية تنسيق تديرها هيئة مشتركة لتوزيع الترددات (ونُطُقها)، ولديها القدرة على التصحيح الفوري للخروقات وفرض تنفيذ الالتزامات. ولمّا كانت إسرائيل أكثر الطرفين انكشافاً (من الناحية الطوبوغرافية والتكنولوجية والأمنية)، مقارنة بوضعها اليوم بالطبع، يتعين أن تتمتع إسرائيل بالأولوية في توزيع الترددات والنُطُق، فضلاً عن منع التشويش والتداخل.
 بناء محطات إنذار مبكر في مواقع استراتيجية بالضفة الغربية تستخدمها إسرائيل لامتلاك وقت كافٍ للردّ على التهديدات العسكرية و"الإرهابية" القادمة من الشرق. ونشير إلى أن المواقع العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في الأراضي الخاضعة للسيطرة السياسية الفلسطينية عرضة للزوال بمرور الوقت، وهو اعتبار يتعين على المفاوضين الإسرائيليين أخذه في الاعتبار في المستقبل.
 التوصل إلى تفاهمات وإلى ترتيبات خاصة تسمح بنشر القوات الإسرائيلية وتحريكها في أوقات الطوارئ لمواجهة قوات عسكرية أو غير نظامية تتسلل نحو أراضي الدولة الفلسطينية وتنتهك الاتفاقات. (من الأمثلة على هذه الترتيبات إبقاء محاور النقل الاستراتيجي مفتوحة وخالية من العوائق، وإبقاء مناطق الانتشار الخاصة بالحالات الطارئة خالية من المنشآت والعوائق).

وينبغي في دورة الأداء الثانية إيجاد آليات تعكس العبر المستخلَصة على مرّ السنين عندما لم يلتزم الفلسطينيون بالاتفاقات الثنائية السابقة. وستبرز حاجة إلى تدخل طرف ثالث للتحقق والتأكد من تنفيذ الجانب الفلسطيني لواجباته الأمنية، كما ستبرز حاجة إلى ردع إسرائيلي (من خلال الإشهار واتخاذ إجراءات) للرد على انتهاكات الفلسطينيين للترتيبات الأمنية. وينبغي لآليات التنفيذ أن تتضمن ما يلي:
 آلية للإشراف والتحقق تعتمد على مراقبين دوليين بقيادة أميركيين أو تحت إشرافهم وتتفق عليها الأطراف. وستكون مهمتها ضمان التزام الفلسطينيين بتعهداتهم المنصوص عليها في الاتفاق، وضمان عدم بنائهم قوات وقدرات عسكرية، وضمان عدم حيازتهم أسلحة محظورة، وضمان محاربتهم "للإرهاب"، وضمان اتخاذهم إجراءات لتفكيك البُنى التحتية "للإرهاب". وهذا سيتطلب فريقاً من المراقبين المتخصصين يتمتع بحرّية الحركة والتصرّف ويقدر على القيام بعمليات تفتيش في أي وقت يراه مناسباً، بناء على معلومات (إسرائيلية أيضاً).
 آلية للإشراف والدقيق المناسب عند المعابر الحدودية الدولية المؤدية إلى الدولة الفلسطينية لمنع تهريب الأسلحة المحظورة والموادّ ذات الاستخدام المزدوج وتسلل "الإرهابيين" ونقل الأموال وأشكال المساعدة الأخرى إلى الجماعات "الإرهابية" في الدولة الفلسطينية. وهذا سيقتضي إيجاد آلية فاعلة بمشاركة طرف ثالث يكلَّف بالمهمة ويُجهَّز بقدرات تفتيشية متطورة بناء على ذلك. وهذا يعني في نظر إسرائيل امتلاك القدرة على التحقق إن كانت إدارة المعابر تتم وفقاً لما تم الاتفاق عليه وحتى دراسة إمكانية التدخل إذا اقتضى الأمر ذلك.
 الإشراف على المحيط الخارجي لحدود الدولة الفلسطينية لمنع تهريب الأسلحة والموادّ المحظورة، ومنع تسلل "الإرهابيين"، ومنع عبور أو تسلل قوات معادية عسكرية أو غير نظامية إلى الدولة الفلسطينية. وهذا يعني المشاركة في قوة فاعلة تملك قدرات رصد على مدار الساعة لتغطية الحدود الخارجية للدولة الفلسطينية مع مصر والأردن.

وفي دورة الأداء الثالثة يصار إلى إقرار ضمانات ووسائل دعم دولية لحثّ الطرف الفلسطيني على الوفاء بتعهداته المنصوص عليها في الاتفاقات، ولتقديم ضمانات لإسرائيل في حال انتهك الطرف الفلسطيني الاتفاقات الأمنية. وفي هذا الصدد، ينبغي توافر ما يلي:
• اعتراف دولي بملحق أمني بالاتفاق، وفرض عقوبات دولية على الدول التي تنتهك الاتفاقات بتوقيعها على معاهدات عسكرية مع الدولة الفلسطينية أو تقديمها التدريب والمعدات للجماعات الفلسطينية لتعزيز قدرات يُحظَر امتلاكها بموجب الاتفاق.
• توفير ضمانات من جانب النظم الدولية والعربية بأن الفلسطينيين سيفون بالتزاماتهم ولا يقومون بأعمال تهدد أمن إسرائيل.
• تقديم مساعدات دولية للدولة الفلسطينية تكون مشروطة بوفائها بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق.
• تقديم مساعدات دولية للتحقق من آليات الإشراف والتدقيق الفاعلة، إلى جانب تدريب القوات الفلسطينية وتعليمها كيفية أداء المهام المطلوبة منها.


6. الإطار الزمني لتطوّر المسؤوليات الأمنية الفلسطينية
الغاية من هذه المقاربة سدّ الفجوة بين المطالب الأمنية الإسرائيلية ومطالب الفلسطينيين بالتمتع بالسيادة الكاملة وإلغاء الوجود العسكري الإسرائيلي على أراضيهم، وهي تتطلب سلسلة من المراحل والخطوات التي تُتخَذ في سياق تنفيذ الاتفاقات الأمنية. هناك اتفاقات أتينا على ذكرها، مثل انتشار القوات الإسرائيلية على أراضي الدولة الفلسطينية، إما أنه سينتهي أجلها أو يجري تعديلها أو تغييرها مع الوقت بحسب أداء قوات الأمن الفلسطينية واستعدادها وعزمها على القيام بواجباتها المنصوص عليها في الاتفاق. وسيتم تقليص تدخل الجيش الإسرائيلي بموجب معالم متفَق عليها وبحسب التطورات الجارية على الأرض، مع مراعاة التأكد من نزع السلاح في الأراضي ومنع "الإرهاب". والاختبار الرئيسي سيكون استعداد قوات الأمن الفلسطينية وقدرتها على تحمّل المسؤولية كاملة حيال التزاماتها بمنع "الإرهاب" والتهريب والتسلل وتفكيك بُنى تحتية "للإرهاب".
يمكن تصوّر جدول زمني للمراحل الرئيسية لتطوّر المسؤوليات الأمنية الفلسطينية:
• تتحمل إسرائيل في المرحلة الحالية مسؤولية ضمان الأمن، في حين تتحمل قوات الأمن الفلسطينية مسؤولية محدودة في مجالات محددة.
• سيتم تكليف هيئة دولية في المرحلة الأولى من الخطة المقترَحة بالقيام بالمهام اللازمة لضمان نزع أسلحة الفلسطينيين ومنع "الإرهاب" ومنع إقامة بُنى تحتية "للإرهاب" داخل الدولة الفلسطينية.
• ستنقل إسرائيلُ في المرحلة الثانية المسؤوليةَ المناطقية في أغلب المناطق (باستثناء وادي الأردن). وسيكون ممكناً أصلاً في هذه المرحلة الاتفاق على النواحي التي يتحمل الفلسطينيون المسؤولية فيها (إما بشكل مستقل أو بالاشتراك مع الجيش الإسرائيلي أو مع قوة دولية)، مثل فرض القانون والنظام، والتعامل مع المشتبه في ضلوعهم في "الإرهاب"، وتفكيك الكيانات المسلّحة ومنع التحريض وغيرها من النواحي.
• وفي المرحلة الثالثة، تقوم هيئة دولية بتدريب القوات الفلسطينية وتوكيل المهام إليها والعمل معها على تفكيك البُنى التحتية "للإرهاب" وتفكيك الجماعات المسلّحة والتأكد من وفاء الفلسطينيين بواجباتهم المنصوص عليها في الاتفاق. كما سيتم توظيف قوة فاعلة على امتداد ممرّ فيلادلفي على الحدود بين مصر وغزّة وبالتنسيق مع القوات المصرية.
• وفي المرحلة الرابعة، تُنقل المسؤولية عن كل ما له علاقة بالأمن الداخلي ومحاربة "الإرهاب" من الهيئة الدولية إلى قوات الأمن الفلسطينية بالتدريج بعد أن يتم اختبار الأداء الفلسطيني.
• وفي المرحلة الخامسة، تُنقل المسؤولية كاملة إلى الفلسطينيين ويتم تقليص المشاركة الدولية في مراقبة الفلسطينيين والتحقق من وفائهم بتعهداتهم الأمنية داخل الدولة الفلسطينية. ومع أن إسرائيل لا ترى في التواجد الدولي بديلاً عن قدرة الدفاع الذاتي للجيش الإسرائيلي، يمكن أن يفيد هذا الوجود "كسلك متفجر" في حال دنوّ قوة معادية لعبور نهر الأردن واخترق الدولة الفلسطينية من صوب الشرق. وإذا تبين أن اتفاقات السلام الإقليمية عاجزة أمام هذه التهديدات، يتعين على إسرائيل امتلاك حق نشر الجيش الإسرائيلي في المنطقة وتعزيز قواته. وسيتم ذلك بما ينسجم والاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية. وبالمثل، ستواصل قوة فاعلة العمل على امتداد ممر فيلادلفي فاصلةً قطاع غزّة الفلسطيني عن سيناء المصرية.
القيود المفروضة على السلاح
ستكون إسرائيل والفلسطينيين في حاجة إلى صياغة قائمة متفَق عليها بالقدرات والأسلحة الجائز امتلاكها والتي ستزوَّد قوات الأمن الفلسطينية بها وتكون ملائمة لمهامها. وبناء على تجربة إسرائيل في الملحق العسكري لمعاهدة السلام مع مصر واتفاقية فصل القوات بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان، تعرف إسرائيل أنه من الأهمية بمكان تحديد القدرات والأسلحة الجائز حيازتها، لا تحديد الأسلحة المحظورة فقط، لأنه يستحيل توقع كافة التكنولوجيات المستقبلية. وفي حال اتفق الطرفان على تفاصيل الأسلحة المحظورة فقط، ينبغي تشكيل هيئة مشتركة لمعاينة القائمة وتحديثها بناء على الحاجات والقدرات المتغيرة.
هذه أمثلة على الأسلحة وعلى القدرات العسكرية التي يمكن فرض قيود عليها:
• الأسلحة الثقيلة، مثل الطائرات الحربية والطائرات العمودية والطائرات التي تطير بدون طيار والدبابات والسفن البحرية.
• قدرات إطلاق القذائف عالية المسار لا سيما صواريخ أرض-أرض، وصورايخ أرض-جو ومدافع المورتر الثقيلة وقطع المدفعية.
• قدرات إطلاق نيران مضادّة للطائرات، وبخاصة صواريخ أرض-جو والمدافع المضادّة للطائرات.
• الصواريخ الموجَّهة التي تُطلَق على الدبابات والمركبات المدرّعة وعلى الناس والسفن.
• قدرات إبعاد هجومية، وقدرات اختراق عميق، وإطلاق النار من وراء الأفق.
• تجهيز المتفجرات والألغام المتطورة ونشرها، وبخاصة التي يمكن نشرها أو إسقاطها من الجوّ.
• إقامة نظم تشويش قادرة على عرقلة الاتصالات المدنية والعسكرية بإسرائيل، فضلاً عن نظم البُنية التحتية العسكرية المرفقة بها.
• قدرات استخبارات إلكترونية يمكن أن تتضمن أهدافاً حساسة داخل إسرائيل ويمكن أن تتضمن نقل معلومات إلى جماعات أو إلى دول معادية.
• حيازة ونشر رادارات تغطي الأجواء الإسرائيلية عند ارتفاعات خفيضة.
• قدرات نشر أسلحة دمار شامل أو حيازتها.


7. الخلاصة
على النقيض من الزعم الفلسطيني الشائع بان اتفاقية سلام ستحقق الأمن، تعلّمت إسرائيل أن سلاماً مستقراً يمكن أن يعتمد فقط على حفظ أمن إسرائيل أولاً. وأي اتفاق يشترط تقليص العناصر الأمنية يمكن أن يشجع قوات معادية على تحدّي إسرائيل بحزم أكبر.
الهدف الأمني الرئيس لإسرائيل في ما يختصّ بالفلسطينيين هو منع تطوير تهديدات عسكرية متكافئة وغير متكافئة، ومنع القيام بعمليات "إرهابية" أو شنّ حرب فدائية على إسرائيل انطلاقاً من دولة فلسطينية أو عبرها.
يقتضي التصدي ضمن إطار عمل اتفاق ثنائي لإمكانية بروز مثل هذه التهديدات تحمّل إسرائيل مجازفات محسوبة. بناء على ذلك، تتضمن خطةُ نزع الأسلحة المقترحة دورات ثلاث لتعزيز الثقة المتبادلة:
• الدورة الأولى: وهي تقوم على نزع السلاح واتفاقات أمنية وتحديد المسؤوليات الفلسطينية. يتضمن نزع سلاح الدولة الفلسطينية فرض قيود على قدرات قوات الأمن الفلسطينية وعلى معداتها وأسلحتها. ويتضمن نزعُ السلاح كذلك منع "الإرهاب" ومنع إقامة بُنى تحتية "للإرهاب" داخل الدولة الفلسطينية. والمقصود من الترتيبات الأمنية السماح لإسرائيل بالاحتفاظ بالقدرة على الدفاع عن نفسها لدى مواجهة تهديدات من أراضي الدولة الفلسطينية. وللتوصل إلى استقرار بعيد المدى، يتعين على الفلسطينيين تحمّل مسؤولية منع "الإرهاب" ومنع بروز تهديدات عسكرية لإسرائيل انطلاقاً من أراضيهم، ووفاؤهم بالتزاماتهم المنصوص عليها في الاتفاق.
• الدورة الثانية: وهي تقوم على ترتيبات خاصة بالتنفيذ وعلى آلية مراقبة ربما تتضمن مشاركة مراقبين دوليين ويفضَّل أن يكونوا بإمرة الأميركيين لضمان تنفيذ كافة البنود المنصوص عليها في الاتفاقات الأمنية والإشراف على ذلك، مع مساعدة لقوات الأمن الفلسطينية في الوقت نفسه على تحمّل مسؤولياتها وأداء مهمات الأمن الداخلي ومنع "الإرهاب" وتفكيك البُنى التحتية "للإرهاب".
• الدورة الثالثة: وتقوم على توفير ضمانات ووسائل دعم لتنفيذ الاتفاقات. يلزم توافر ضمانات دولية وعربية ووسائل دعم لضمان أن تكون الكلفة التي سيتكبدها الفلسطينيون لإخلالهم بتعهداتهم أكبر من أي كسب متصوَّر من الإخلال بها.
لقد اقترحنا عملية مؤلفة من مراحل لتنفيذ الاتفاقات، مما سيؤدي إلى التقليل من بروز النشاط الأمني الإسرائيلي والوجود الإسرائيلي داخل الدولة الفلسطينية بناء على أداء الجانب الفلسطيني.
هناك تشابك بين البُعد المناطقي والبُعد الأمني، ذلك أنه كلما زادت مساحة المناطق التي تُنقَل إلى الجانب الفلسطيني، زادت مطالبة إسرائيل بالتوصل إلى اتفاقات أمنية أكثر فاعلية. وعلى سبيل المثال، من المهم أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على وادي الأردن. بيد أنه في حال تنازلت إسرائيل عن أجزاء من الأراضي لاعتبارات سياسية، يلزم التوصل إلى اتفاقات أمنية بعيدة المدى برغم ذلك، بما في ذلك نشر قوات إسرائيلية في المنطقة. وفي هذه الأثناء، ستشترط إسرائيل امتلاك السيادة على المجال الجوّي لاكتشاف التهديدات الجوية القادمة من الشرق في وقت مبكر وتحديدها واعتراضها.

2010-06-30 09:30:05 | 1783 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية