التصنيفات » دراسات

التكامل الاقتصادي العربي، لماذا وكيف؟* (مظهر السمّان النائب السابق لرئيس غرفة التجارة العربية الأميركية)








قبل الإجابة عن هذا السؤال، والذي هو مدخل وصلب حديثي هذا المساء، أودّ أن أستعين بتعريف مفهوم التكامل الاقتصادي كما ورد في وحدة أبحاث الشرق الأوسط، وهو: "إنّه عملية اعتماد متبادل بين اقتصاديات مجموعة من الدول بينها عامل جغرافي أو سياسي أو اجتماعي مشترك، بدرجات مختلفة وعلى أسس معيّنة، تهدف من خلاله هذه الدول إلى زيادة ودعم قدراتها الاقتصادية والاجتماعية، وتسهيل عملية التنمية والاستفادة من الميزة النسبية التي تتمتّع بها الدول الأخرى. وتتعدّد أشكال هذا التكامل ما بين نظام تفضيلي إلى مشروعات مشتركة واتحاد جمركي ومنطقة تجارة حرّة إلى سوق موحدة". انتهى التعريف.
من هذا التعريف يمكننا أن نطرح بعض التساؤلات البدَهيّة:
1-   هل هناك حاجة للدول العربية إلى التكامل الاقتصادي؟
2-    هل يمكن أن يكون هناك تكامل اقتصادي بين الدول العربية؟ خاصّةً وأنّ العديد من الدول العربية تتشابه في إنتاجها سواء في مجال الزراعة أو الصناعات أو في إنتاج المواد الأولية وخاصّةً البترول والثروات المعدنية والبتروكيماويات.
3-    هل التكامل الاقتصادي العربي مطلب ذو طابع قومي، أو سياسي، أو اجتماعي أو اقتصادي بحت، أم أنّ له أيضاً بعض الملامح الدينية؟
الإجابة عن جميع هذه التساؤلات هو نعم، نعم، ونعم.
ويمكن أن نتفهّم لِمَ الإجابة عن كلّ هذه التساؤلات هي بِنَعم إذا حدّدنا أهمّية أهداف التكامل الاقتصادي، والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
1-   الحصول على مزايا الإنتاج الواسع (الكبير).
2-    الاستفادة من مهارات الفنيين والأيدي العاملة الماهرة وتدريب غير الماهرة بصورة أفضل وعلى نطاق واسع (قومي).
3-    تسهيل عملية التنمية الاقتصادية.
4-    تنويع الإنتاج بطريقة اقتصادية ممّا قد يحمي اقتصاديات الدول الأعضاء من بعض الانتكاسات والتقلبات والسياسات الأجنبية.
5-    رفع مستوى معيشة المواطنين.
6-   تقليل الاعتماد على الخارج ممّا يؤدّي كما ذُكر سابقاً إلى محدودية التأثّر بالتقلبات الاقتصادية والسياسية الخارجية خاصّةً إذا وصل التكامل إلى مرحلة متقدّمة.
إضافةً إلى ما سبق، فإنّ الدول العربية تواجه حالياً تحدّيات كبيرة أكثر حدّة من تلك التي واجهتها في الفترات السابقة. وأكثرها إلحاحاً وخطورة هي ظاهرة العولمة بكل إرهاصاتها مثل تحرير التجارة الدولية أو ما يسمّى اقتصاد السوق، وكذلك تدويل الإنتاج وازدياد قوة التكتلات الاقتصادية العملاقة مثل الاتحاد الأوروبي ونافتا وغيرها.
وفي ظلّ هكذا ظروف يحقّ لنا التساؤل عن ما مدى استيعاب المسؤولين في الدول العربية لأهمّية التكامل الاقتصادي والبحث في التجارب السابقة والحالية وما هي المعوقات وهل من سبيل إلى تجاوزها.
 
السوق العربية المشتركة:
أصدر المجلس الاقتصادي العربي عام 1964 موافقة على إنشاء السوق العربية المشتركة، وكان الهدف هو تحرير التجارة بين الدول الأعضاء عن طريق إعفائها من الرسوم الجمركية تدريجياً، وذلك بهدف إيجاد منطقة التجارة الحرّة كخطوة أولى نحو تحقيق السوق المشتركة، وتمّ فعلاً إلغاء الرسوم الجمركية اعتباراً من عام 1971 بين أربع دول هي الأردن وسوريا والعراق ومصر ثمّ بعد ذلك ليبيا، لكن هذه التجربة تعثّرت وعُوّض عنها بإبرام اتفاقية لتيسير التبادل التجاري بين الدول العربية.
ويمكن القول بأنّ بعض الدول العربية سعت في سبيل تسهيل السوق المشتركة في بداية الخمسينات إلى إبرام العديد من الاتفاقيات في ما يتعلّق بتشجيع انتقال رؤوس الأموال، منها:
-      اتفاقية تسوية المعاملات التجارية وانتقال رؤوس الأموال عام 1953.
-      اتفاقية رؤوس الأموال العربية وانتقالها بين البلدان النامية، طُبّقت في عام 1972.
-      اتفاقية الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بهدف تمويل المشروعات الإنمائية بقروض ميسّرة، الذي بدأ نشاطه عام 1974.
-      اتفاقية صندوق النقد العربي عام 1977 (مقابل صندوق النقد الدولي)، الذي يهدف إلى القيام بوظائف صندوق النقد الدولي في الدول العربية وتمويل مشروعات التنمية وتقديم الدعم المالي والفني ومعالجة الاختلال في موازين المدفوعات وإعادة هيكلة الاقتصاديات العربية. ولكن يلاحظ من تتبّع تدفّق الاستثمارات العربية البينية ضآلة الأموال العربية المستثمرة في المنطقة العربية مقارنة بضخامة الأرصدة المالية الموظفة في الخارج.
أمّا على صعيد العمل العربي المشترك وما يختصّ بالعمالة والموارد البشرية وتذليل العقبات التي تواجه العمالة العربية بما يخصّ انتقالها وتوظيفها، فقد تمكّنت منظمة العمل العربية من إصدار 19 اتفاقية ذات علاقة مباشرة وصريحة بالنهوض بالتشغيل في الوطن العربي، كما تمّ اعتماد ثلاث استراتيجيات عربية في مجال عمل المنظمة، هي:
-      استراتيجية تنمية القوى العاملة العربية (1985).
-      الاستراتيجية العربية للتشغيل (1993).
-      الاستراتيجية العربية للتأمينات الاجتماعية (1999).
منطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى التي تمّ إقرارها في عام 1995 بهدف تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية لإقامة منطقة تجارة حرّة عربية كبرى. ونصّ الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب بنسبة 10% في السنة من تلك التي كانت سائدة في 31/12/1997 بحيث تصل هذه الرسوم والضرائب إلى نسبة صفر في عام 2007 ليتحقّق معها التحرير الكامل للسلع ذات المنشأ العربي من أيّة رسوم وضرائب عند دخولها الأسواق العربية، غير أنّ التاريخ تمّ تعديله إلى عام 2005 حتى يتماشى مع قرارات منظمة التجارة العالمية (WTO). وقد بلغ عدد الدول العربية التي انضمّت حتى الآن إلى المنظمة 17 دولة من أصل 22 دولة عربية. وقد تمّ فعلاً تنفيذ والتزام عدد من الدول العربية بتحرير التجارة البينية وتخفيض التعرفة الجمركية على الواردات العربية ممّا ساهم ولو بشكل ضئيل إلى ارتفاع قيمة التجارة البينية. وللأسف وبالرغم من كل هذه الجهود الحثيثة، فإنّ نسبة التجارة العربية البينية لم تتجاوز 10،2% من حجم التجارة العربية الإجمالية.
إنّ من المهمّ هنا أن أذكر أنّه على الرغم من أنّ أكثر الاتفاقيات العربية لم يكتب لها النجاح برغم مرور عقود على توقيعها لأسباب عديدة سآتي على ذكرها لاحقاً، فإنّ محاولات التكامل الاقتصادي العربي لم يقتصر على تلك الجهود فقط، إذ جاءت تجمّعات اقتصادية عربية أقيمت خارج نطاق جامعة الدول العربية وتمّ تقسيم الوطن العربي إلى ثلاث مناطق فرعية كان الدافع الاقتصادي أهم أسبابها، وهي:
-      منطقة الخليج العربي (مجلس التعاون الخليجي) 1981 (السعودية، الإمارات، الكويت، عُمان، البحرين وقطر).
-      منطقة المغرب العربي (اتحاد المغرب العربي) 1989 (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وهذا الاتحاد لم يُكتب له النجاح بسبب مشكلة الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر).
-      إقليم المشرق العربي (مجلس التعاون العربي) 1989، بين أربع دول هي مصر والعراق والأردن واليمن. وقد سقط هذا الاتفاق بعد سنة من توقيعه بسبب غزو العراق للكويت عام 1990.
هذا ومن الملاحظ أنّ عمليات التبادل التجاري تتمّ بشكل رئيسي بين دول عربية متجاورة، فصادرات قطر تركّزت على دولة مجاورة واحدة هي الإمارات فبلغت 62% من صادراتها البينية، وصادرات ليبيا وتونس 51%، والأردن بين دولتين فقط العراق 27% والسعودية 19%، بينما السعودية والإمارات 25% والبحرين 22%.
 
المعوقات وأسباب الفشل:
يمكن حصر أسباب فشل محاولات التكامل الاقتصادي بثلاث مجموعات رئيسة، وهي: مجموعة أسباب اقتصادية، وسياسية، وتنظيمية:
 
1-    الاقتصادية:
-      سيطرة نوع أو نمط الإنتاج الأولى على الاقتصاديات العربية وضآلة نصيب الصناعة التحويلية أو الصناعات النهائي التي تعتمد على القيمة المضافة للمنتج.
-      تفاوت أسعار التكلفة للمنتجات بين الدول العربية الأعضاء في الاتفاقيات أدّى إلى لجوء الأعضاء إلى حماية صناعاتها ذات التكلفة العالية من خلال القيود الإدارية.
-      عدم الاهتمام بشبكات النقل البري والجوي والبحري بين أجزاء الوطن العربي.
-      اختلاف الأنظمة والسياسات الاقتصادية.
-      تباين مستوى الدخول بين الدول.
 
2-    السياسية:
-      التخوّف من التعدّي على السيادة القطرية.
-      أزمة الثقة السياسية بين الدول العربية بعد أحداث هامة (معاهدة كامب ديفيد – مقتل الحريري – غزو الكويت)
-       الفتن الداخلية (العراق، لبنان، السودان والصومال).
 
3-    التنظيمية:
-      افتقار نصوص الاتفاقيات بين الدول العربية إلى الدقّة في تحديد الهدف ورسم الوسيلة.
-      عدم توفّر البيانات والإحصاءات عن الأنشطة الاقتصادية المختلفة في الدول العربية.
-      ترك المجال لكل دولة في حرّية عقد ما تشاء من اتفاقات مع الدول الأخرى حتى لو تعارضت مع مصالح اتفاقيات الدول العربية الأخرى أو ميثاق الجامعة العربية.
-      ازدواجية المهام التي تقوم بها الأجهزة والمنظمات التي تشرف على العمل العربي المشترك.
 
استنتاج:
أ‌-               يتوضّح لنا ممّا سبق بأنّ التكامل الاقتصادي العربي هو الوسيلة والطريق -ربّما الوحيد- على الأقل من وجهة نظر المهتمين بمواضيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية – الأكثر ضماناً للوصول إلى مستويات معيشية أفضل للمواطن العربي، وربّما تحقيق الحلم العربي الذي يبدو مستحيلاً في الظروف الحالية وهو وحدة العالم العربي.
ب‌-            رغم أهمية المعوقات الاقتصادية لنجاح أي تكامل، فإنّ الإرادة السياسية يبقى لها الدور الحاسم في نجاح واستمرار أي تكامل اقتصادي.
ج‌-            الاستفادة من المنهجية التي اتبعت في بعض التجارب التكاملية الناجحة، فاتباع البدء بالأسهل وصولاً إلى الأصعب ربّما هو النهج الأصلح للدول العربية حيث سيتمتّع هذا الأسلوب بمزايا التكامل الاقتصادي فيصبح مطلباً ضرورياً، وليس مسألة مفروضة من بعض الأطراف.
د‌-              إنّ ما تتمتّع به الدول العربية من موارد طبيعية وسوق واسعة وموقع استراتيجي تمثّل كلّها فرصة لنجاح التكامل الاقتصادي المطلوب.
 
وأخيراً: فإنّ المشكلة في عدم تحقيق التكامل الاقتصادي أو السوق العربية المشتركة لم يكن في يوم من الأيام في صحّة الفكرة ذاتها، فالسودان يمكن أن يكون السلّة الغذائية للعالم العربي، ومنطقة الخليج العربي وليبيا هي مستودع النفط والطاقة للبلدان العربية والعالم، ومصر مركز الثقل في العمالة العربية، وسوريا أحد أهم مراكزها النباتية، ودول المغرب العربي سوق تجارية كبيرة. هذا الوطن الذي تبلغ مساحته الكلية 14،2 مليون كلم2 أي 10،2% من مساحة العالم، ويسكنه 327 مليون نسمة أي 4،9% من عدد سكان العالم.
هذه كلّها حقائق معروفة، ولكن ما يُفتقد هو وجود الخطة والتصميم والإرادة وطريقة التنفيذ. كذلك ما هو مفقود: الثقة المتبادلة، والالتزام وروح التعاون.
إنّ زيادة التجارة والاستثمار بين الدول العربية سيؤدّي إلى انحسار عدم الثقة التي طالما باعدت بين الحكومات (ولا أقول الشعوب) ومنعت القطاع الخاص من العمل سوياً في سبيل تحقيق المصالح المشتركة لمجتمعاتهم.
 
--------------
المراجع:
1-     الشرق الأوسط، الوحدة الاقتصادية.
2-      مساعد زين الدين "الشرق الأوسط والعولمة"، أوسلو 1998.
3-     التكامل الاقتصادي بين الواقع والمأمول، مهدي ميلود، القاهرة.
*( ندوة في "مركز الحوار العربي" في واشنطن- الأربعاء في 18/2/2009)


2009-02-28 11:50:49 | 1899 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية