التصنيفات » دراسات

الاحتياجات الأمنية الحيوية "لإسرائيل" في المرحلة المقبلة

العنوان الأصلي  كيف تؤثر الطبيعة المتغيّرة للأخطار التي تهدد "إسرائيل" في الترتيبات الأمنية الحيوية؟
المؤلف  اللواء في قوات الاحتياط - غيورا إيلاند
جهة الإصدار   مركز القدس للشؤون العامة، القدس المحتلة  26 تشرين الأول 2010
ترجمة مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية 30 تشرين الأول 2010

ملخّص الدراسة
أعد هذه الدراسة اللواء في قوات الاحتياط، غيورا إيلاند، الذي ترّأس مجلس الأمن القومي الصهيوني من سنة 2004 إلى سنة 2006. وخدم إيلاند قبل ذلك رئيساً لفرع العمليات في الجيش الصهيوني ومديرية التخطيط فيه. وهذا الإيجاز يعتمد على محاضرة ألقاها في مؤتمر ناقش "الحاجات الحيوية "لإسرائيل" من أجل سلام دائم" عُقد في القدس في 2 حزيران 2010، حيث تتضمن توصيات أمنية لكيان العدو من أجل التعامل مع التهديدات المستجدة ضد الدولة العبرية. وتتلخص بنود هذه المحاضرة فيما يلي:
 كيف نخرج من مأزق اتفاقية سلام تقوم على تسليم السوريين مرتفعات الجولان مع أنه لا يمكن الدفاع عن إسرائيل بدونها؟ كان الحلّ المقترح لتفادي هذه المشكلة إدراج ترتيبات أمنية معيّنة في أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه. على أن هذه المقاربة بُنيت على عدد من الافتراضات التي تبيّن أنها مضللة بالجملة.
 أظهرت الأحداث التي وقعت في السنين العشر الماضية تغيّراً ملحوظاً في أنواع التهديدات التي ينبغي توقع بروزها عقب إقامة دولةٍ فلسطينية أو نتيجة للكيان الفلسطيني القائم. تنطوي هذه التهديدات على اللجوء إلى 3 أنواع من الأسلحة تتعارض جميعها مع التوجيهات التي نوقشت تمهيداً للتوصل إلى ترتيبات أمنية.
 سيكون ضرب كافة المناطق في "إسرائيل" أمراً سهلاً بواسطة الصواريخ والمقذوفات المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وستكون الصواريخ المتطورة المضادّة للطائرات قادرة على إسقاط الطائرات المدنية التي تهبط في مطار بن غوريون الدولي فضلاً عن الطوافات وحتى الطائرات المقاتلة. ويمكن لصواريخ مضادّة للدبابات ذات مدى فعال يصل إلى 5 كلم ضرب المراكز الاستراتيجية مثل الطريق السريع 6 الذي يبدأ بأقصى شمال "إسرائيل" وينتهي بجنوبها، فضلاً عن مراكز تتجاوز ذلك.
 القاسم المشترك بين سائر ما تقدم هو سهولة تهريب الأسلحة وصنعها خفية، كما هي الحال اليوم في غزّة. ولا يوجد نظام مراقبة يمكن إقامته ويستطيع الحيلولة دون حصول ذلك. ولا يمكن الحيلولة دون تهريب هذه الأسلحة إلاّ بالسيطرة الفاعلة على وادي الأردن الذي يمتدّ بموازاة الحدود "الإسرائيلية" الأردنية.
 بالإضافة إلى ما تقدم، إذا كانت "إسرائيل" ستنسحب إلى خطوط الهدنة لسنة 1949، ستصبح المنطقة الواقعة شرقيّ الحدود "الإسرائيلية" الفلسطينية مقرَّ السلطة الفلسطينية، وكذلك قاعدةً للأعداء المحتملين أيضاً، منهم "حزب الله" وسوريا. وهذا يعني أنه عندما يراد وضع ترتيبات أمنية خاصة بالضفة الغربية، يتعيّن أن تتضمن المقاربةُ إقامة حدود تتجاوز حاجات "إسرائيل" المرتبطة بالفلسطينيين.
أجرت "إسرائيل" في عامي 1999 و2000 مفاوضات مفصلة ومتقدمة مع السوريين ومع الفلسطينيين في آن معاً. وتبيّن أن "إسرائيل" في حاجة إلى التنازل عن الأراضي لكِلا الطرفين: التنازل عن مرتفعات الجولان من أجل التوصل إلى اتفاق مع سوريا، والتنازل للفلسطينيين عن جزء كبير من الضفة الغربية، إن لم يكن التنازل عن معظمها، في حين يُفترض أن تعوّض الترتيباتُ الأمنية "إسرائيلَ" عن تنازلها عن تلك الأراضي. صحيح أن هذه المقاربة كانت صحيحة جزئياً في ذلك الوقت في كِلا المسارين، لكنها كانت قصيرة النظر جداً أيضاً.
وفيما يلي موجز لأبرز العناوين التي تناولتها محاضرة إيلاند:
المفاوضات مع سوريا والترتيبات الأمنية
عندما ناقشت إسرائيلُ كيفية الدفاع عن نفسها عقب التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا، قرر وزير الدفاع آنذاك أنه بدون الجولان، لا تستطيع البلاد الدفاع عن نفسها (وأنا أرى أنه كان محقاً في ذلك). لكن كيف يمكننا الخروج من مأزق اتفاقية سلام تتضمن تسليم السوريين مرتفعات الجولان؟ تمثّل الحل في إدراج ترتيبات أمنية في أي اتفاق سلام تُبعد الجيشَ السوري مسافة بعيدة عن الحدود شرقاً في ما يُسمح للجيش الإسرائيلي بالتمركز على ضفاف نهر الأردن القريب من مرتفعات الجولان.
بناء على هذا الحل، سيكون يوماً مشؤوماً عندما تدرك إسرائيل أن السوريين يستعدون لخوض حرب وأن فرقهم العسكرية تقترب من مرتفعات الجولان. ستسارع القوات الإسرائيلية المتمركزة في منطقة قريبة من الجولان إلى إعادة احتلال المنطقة لكي تحدث المواجهة مع السوريين على جبهة قريبة من الخطوط التي تحتلها إسرائيل اليوم. وقد اعتمدت هذه المقاربة على افتراضات خمسة تبيّن أنها جميعاً مضللة. بيد أنه كان يكفي أن يكون أحد تلك الافتراضات فقط خاطئاً لينهار المفهوم برمّته، وهو أنه في استطاعة إسرائيل الدفاع عن نفسها بعد تخلّيها عن مرتفعات الجولان.
يُذكر أن "مركز القدس للشؤون العامة" نشر عام 2009 دراسة لإيلاند تحت عنوان "الحدود الدفاعية لمرتفعات الجولان"، ذكر فيها الافتراضات الخمسة المثيرة للإشكاليات وهي:
1. "عندما ستندلع الحرب، ستبدأ في وضع يكون فيه كِلا الطرفين حيث يلزم أن يكونا".
2. "سيتم إطلاق الإنذار بشكل فوري".
3. "سيتم التوصل إلى تفسير صحيح لأي انتهاك يقدم عليه السوريون".
4. ستردّ الحكومة الإسرائيلية بسرعة وقوة على أي انتهاك خطير".
5. "سينفّذ الجيشُ الإسرائيلي خطته بسبق القوات السورية واتخاذ مواقع له على "قمم التلال".
دخلت إسرائيل مجدداً في مفاوضات مع سوريا في عهد حكومة أولمرت، وإن كانت مفاوضات غير مباشرة لعب الأتراك دور الوسيط فيها للتوصل إلى اتفاق دائم بين البلدين. الأمر المفاجئ هو أنه برغم حقيقة أنه لم يتم إجراء دراسة أمنية على يد محترفين للوقوف على مضامين الانسحاب من مرتفعات الجولان، كانت إسرائيل مستعدة خلال تلك المفاوضات غير المباشرة للإعلان عن إمكانية الانسحاب من مرتفعات الجولان. وأنا أقول بعبارات لا لَبْس فيها أنه من سنة 2000 إلى يومنا هذا، لم تجر مناقشة أو معاينة بواسطة المحاكاة، حتى على المستوى الأساسي، لمعرفة قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بدون مرتفعات الجولان. بيد أنه لا يمكن للطبقة السياسية الزعم بأن في استطاعتهم القيام بهذه المجازفة إلاّ بعد إجراء تلك المحاكاة، مما يجعل إجراءها شرطاً ضرورياً مسبقاً.
الإستعداد لأنواع جديدة من التهديدات
عندما جرت المفاوضات مع الفلسطينيين قبل عشر سنين، تصوّرت إسرائيلُ نوعين من التهديدات:
1. التهديد العسكري: وينبع أساساً من تطورات يحتمل حدوثها في الأردن والعراق (عندما كان صدام لا يزال حاكمه)، فضلاً عن تهديدات أخرى مصدرها الجبهة الشرقية.
2. الإرهاب: ومصدره في الأساس فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزّة. وفي ذلك إشارة إلى "الإرهابيين" الفلسطينيين الذين يسعون لاجتياز السياج الأمني وتنفيذ عمليات انتحارية داخل إسرائيل. وقد أخذ الردّ على تلك التهديدات شكل عائق، سياج أو جدار، وجهود استخبارية.
بيد أن الأحداث التي وقعت في السنين العشر الماضية أظهرت حدوث تغيّر ملحوظ في أنواع التهديدات التي يمكن توقعها من الدولة الفلسطينية، في حال أقيمت هذه الدولة، أو من الكيان الفلسطيني القائم. تضمّن هذا التغيير اللجوءَ إلى أنواع ثلاثة من الأسلحة أوجدت مشكلات يصعب التعامل معها إلى حدّ بعيد:
1. سيكون ضرب كامل أراضي دولة إسرائيل أمراً سهلاً بواسطة المقذوفات والصواريخ على اختلاف أنواعها المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
2. ستكون الصواريخ المتطورة المضادّة للطائرات قادرة على إسقاط طائرات الركاب الكبيرة التي تهبط في مطار بن غوريون الدولي، فضلاً عن الطوافات وحتى الطائرات الحربية.
3. سيكون في مقدور الفلسطينيين استخدام الصواريخ المضادّة للدبابات والتي تعتبر شديدة الفاعلية حتى مدى يصل إلى 5 كلم في ضرب مواقع استراتيجية مثل الطريق السريع 6 الذي يمتد من شمال إسرائيل إلى جنوبها، فضلاً عن أهداف أخرى تتجاوزه مثل مواقع حساسة في الدفاع عن إسرائيل.
القاسم المشترك بين أنواع الأسلحة الثلاثة هذه هو أنها تتعارض مع الإرشادات التي نوقشت تمهيداً لإدراج ترتيبات أمنية في أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين.
ضرورة السيطرة على الضفة الغربية
قيل قبل عشر سنين أن الرد على التهديد الفلسطيني لإسرائيل هو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. لكن ما معنى ذلك؟ إذا جُرّدت هذه الدولة من الدبابات ومن الطائرات، يُحتمل التوصل إلى اتفاق مفصّل بهذه الخصوص وإقامة نظام مراقبة للإشراف على تنفيذه.
على أن التهديد الحقيقي ليس مصدره الدبابات وإنما المقذوفات والصواريخ المضادّة للطائرات والصواريخ المضادّة للدبابات. والقاسم المشترك بين كل ما تقدم هو سهولة تهريب الأسلحة وصنعها خفيه، كما هي الحال الآن في غزّة. ولا يمكن إقامة نظام مراقبة يمكنه الحيلولة دون حصول ذلك.
مثال ذلك، عندما يتم تسيير قافلة تضم عشرات أو حتى مئات من الشاحنات التي تنقل المنتجات الزراعية، لا يوجد شيء يمكن أن يمنع من إخفاء الصواريخ فيها. كما أن الفلسطينيين لن يواجهوا مشكلة في خزن هذه الأسلحة في المنازل وفي الأقبية في الأحياء السكنية في طولكرم وقلقيلية ونابلس في الضفة الغربية، ولا ويوجد كذلك وسيلة لاكتشاف أمر وجودها إلى أن تُستخدم ضدّ إسرائيل. إن التهديد الذي تشكله هذه الصواريخ لإسرائيل أخطر بكثير من التهديد الذي تشكله الدبابات أو الطائرات. وبالمقابل، توجد وسائل متنوعة ممتازة لمواجهة الدبابات والطائرات، لكن لا يوجد وسيلة لمكافحة تهريب هذه الصواريخ أو صنعها محلياً. بناءً على ذلك، تكون عبارة "دولة منزوعة السلاح" مفهوماً بلا مضمون تقريباً ما لم يقترن بنظام مراقبة. ومن المعروف جيداً أنه حتى في ظل أفضل سيناريو ممكن، تستطيع النظمُ المتاحة مراقبةَ الأسلحة القياسية فقط. والوسيلة الوحيدة لمراقبة منع تهريب هذه الأنواع من الأسلحة إلى الضفة الغربية أو المنع من تصنيعها فيها هي السيطرة على الضفة الغربية.
ضرورة السيطرة على وادي الأردن
بناء على ما تقدم، وحدها السيطرة الفاعلة على وادي الأردن الذي يمتدّ بموازاة الحدود الأردنية الإسرائيلية يمكن أن تمنع من تهريب هذه الأسلحة. كما يوجد حالياً حدود بطول 14 كلم بين غزّة ومصر لا تخضع للسيطرة الإسرائيلية ولا يوجد نظام مراقبة حقيقي هناك يمنع من التسلل أو من تهريب الأسلحة إلى غزّة. وفي حال تنازلت إسرائيل من الناحية الفعلية عن سيطرتها على البلدات الفلسطينية الواقعة بالضفة الغربية، سيبرز عندئذ تهديد لا يوجد حل حقيقي له.
قيل لنا في سنة 2000 أن الوسيلة الكفيلة بالتعامل مع الإرهاب هي الاستخبارات والتعاون الأمني وبناء سياج فاعل. بيد أن الإرهاب أخذ شكلاً جديداً اليوم، وهو يشكل عنصراً فائق الأهمية على صعيد الأراضي تتجاوز ما كانت عليه الحال في الماضي، ولسنا نعني بذلك صلة هذا التهديد بوادي الأردن فحسب، بل وبالمعنى الضيق لخط حدودي جديد على امتداد الخط الأخضر أو إلى الشرق منه.
إذا كانت إسرائيل ستنسحب إلى خطوط الهدنة لسنة 1949، ستصبح المنطقة الواقعة شرقيّ الحدود الإسرائيلية الفلسطينية مقرَّ السلطة الفلسطينية وكذلك قاعدة لأعداء محتملين آخرين أيضاً بما أن أي اتفاق مع الفلسطينيين لن يوفر ضمانة بالتوصل إلى اتفاق مع حزب الله أو التوصل إلى سلام مع سوريا. إن مسألة تحديد إن كانت إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها متصلة بالعلاقات مع الفلسطينيين، وينبغي دراستها في ظل سيناريو غير مستبعد الوقوع تخوض بموجبه إسرائيل مواجهة عسكرية مع سوريا وحزب الله والفلسطينيين.
في ظل هذه الظروف، من شأن نشاط معادٍ مصدره الضفة الغربية أن يشلّ قدرة إسرائيل على تعبئة قواتها تمهيداً لإرسالها إلى مرتفعات الجولان، أو لصدّ الهجمات على بطاريات صواريخها من طراز "أرُو" المضادّة للصواريخ البالستية أو على المنظومات الأخرى التي تعتبر حيوية في مواجهة عسكرية مع أعداء يملكون قدرات متطورة. يمكن لمثل هذا النشاط شلّ قدرة إسرائيل على تعبئة قواتها البرّية، بل وبعض نشاطاتها الجوية وطوافاتها المخصصة لإخلاء الجرحى إذا استطاع  الفلسطينيون السيطرة على السهل الساحلي بأكمله بواسطة صواريخ متطورة مضادّة للطائرات. وهذا يعني أنه عند دراسة الترتيبات الأمنية في الضفة الغربية، يتعيّن أن تتجاوز المقاربة على حدود حاجات إسرائيل المرتبطة بالفلسطينيين.
النواحي التكتيكية لتحقيق قدرة دفاعية فعلية
هناك عدد من النواحي التكتيكية التي يتعيّن مراعاتها، لما لها من وقع كبير على القدرة الدفاعية الفعلية:
1. إن خط الرؤية مزيّة مهمة للغاية في القدرة النارية التي يتمتع بها العدو. تتميز الأسلحة ذات المسار المنبسط ببساطتها وفاعليتها وتوافرها بكميات كبيرة. لهذا السبب، من المهم منع العدو من السيطرة على خط الرؤية بنقل الحدود عدة كيلومترات إضافية شرقاً على صعيد المسافة وعلى صعيد الطبيعة الطبوغرافية أيضاً. بهذه الطريقة، لن يتمكن الفلسطينيون على سبيل المثال من السيطرة على الطريق السريع 6 وعلى مواقع أخرى بواسطة الأسلحة ذات المسار المنبسط.
2. لنشر المنظومات الدفاعية الإسرائيلية المضادّة للصواريخ بفاعلية، يلزم توفر حدّ أدنى من المدى لهذه الصواريخ. ذلك أنه حتى المنظومات المتطورة تكنولوجياً لن تكون ملائمة لاعتراض صاروخ أُطلق من مسافة كيلومتر واحد أو كيلومترين. لذلك، ستكون هذه المنظومات في حاجة إلى مدى يمتدّ عدة كيلومترات لاكتشاف عملية إطلاق الصاروخ والتعامل معها. وبالتالي، يتعيّن على إسرائيل المحافظة على مسافة تكتيكية تسمح بذلك.
3. يلزم توافر مسافة دنيا لنشر القوات البرّية والقوات الأخرى وإن كانت كبيرة الحجم. وهذه المسافة الدنيا غير متوافرة لضيق "عرض" دولة إسرائيل الذي يبلغ 15 كلم إذا قيس اعتماداً على خطوط الهدنة لسنة 1949.
إنها مسائل مهمة في ظل غياب "هامش" أمني إضافي وهي توضح المستلزمات الأولية التي تشتمل عليها السيناريوهات المشابهة.
تغيّر السياسة الأميركية في مسألة حقّ "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها بنفسها
كان يوجد حتى الأمس القريب خط فاصل واضح جداً بين السياسة الأميركية والسياسة الأوروبية والسياسات الأخرى. وقد أعرب الرئيس جورج دبليو بوش عن موقف كان مقبولاً لدى الأميركيين طوال السنين العشرين الماضية على الأقل وهو أنه يتعيّن أن تمتلك إسرائيل القوة الكافية لكي "تدافع عن نفسها بنفسها ضدّ أي تهديد أو ضدّ أية توليفة محتملة من التهديدات". وما من شك في أن نقطة الانطلاق في المحادثات مع الأميركيين في مسألة الترتيبات الأمنية تمثّلت في أن إسرائيل ستدافع عن نفسها بنفسها.
لكنّ الأوروبيين يتبنون موقفاً مختلفاً. حتى إن الأوروبيين الذين يعتقدون بأهمية أن تحافظ إسرائيل على وجودها وعلى أمنها ليسوا مقتنعين على الإطلاق بأن إسرائيل قادرة بمفردها على ضمان أمنها. وهم لذلك يقترحون حلولاً مختلفة، مثل نزع سلاح الدولة الفلسطينية، أو نشر قوة دولية، أو توفير ضمانات دولية. على أن التاريخ حافل بالأمثلة السلبية المُحبطة على تطبيق مثل هذه الحلول.
لكننا نشهد اليوم تغيّراً يدعو إلى القلق في المقاربة الأميركية. ولئن لم يتم الإفصاح عن هذا التغيير صراحة، لكنه تغيّر نلحظه في التراجع التدريجي في الموقف الأميركي إن على مستوى الدعم الأميركي لأعمال إسرائيلية معيّنة أو في نواحٍ أخرى. ونحن نشهد انعدام صبر واضحاً ومتنامياً حيال إقدام إسرائيل على نشر قوة عسكرية مهما كان حجمها بهدف الدفاع عن نفسها كما رأينا في الموقف الأميركي على صعيد معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والأسطول الذي يمّم شطر غزّة.
هناك تقارب جارٍ بين الموقفين الأميركي والأوروبي، وإسرائيل تخسر مصدر الدعم الرئيسي الذي يمكنه المساعدة على التوصل إلى ترتيبات أمنية قابلة للتنفيذ. وهذا يفسح الطريق أمام إمكانية جرّ إسرائيل إلى حلّ يتضمن نشر قوة دولية وتقديم ضمانات دولية ووعود يمكن أن تصبح أدوات خذلان لإسرائيل في الساعة الحرجة.


 

2010-11-15 08:41:00 | 1715 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية